الموصل، ثم صار إلى الرقة وأقام بها، وأنفذ الجيوش نحو القرامطة، وقلد القاسم ابن عبيد الله بن سليمان تدبير أمر هذه الجيوش، فوجه القاسم: محمد بن سليمان الكاتب صاحب الجيش خليفةً له على جميع القواد، وأمرهم بالسمع والطاعة، فنفذ عن الرقة في جيش ضخم وآلة جميلة وسلاح شاك، وكتب إلى جميع القواد والأمراء في النواحي بالسمع له والطاعة لأمره، وضم محمد بن سليمان القواد بعضهم إلى بعض، وصمد نحو القرمطي، فلم يزل يعمل التدبير ويذكي العيون ويشاور ذوي الرأي ويتعرف الطرقات إلى أن دخلت سنة إحدى وتسعين.
وفي أول السنة كتب أمير المؤمنين إلى محمد بن سليمان وإلى سائر القواد ومناهضة القرمطي فساروا إليه، فالتقوا على اثني عشر ميلًا من حماة في موضع بينه وبين سليمة، فاشتدت الحرب بينهم وصدقوهم القتال، فتجمع القرامطة وحملوا على الميمنة حملة رجل واحد، فثبت الأولياء فمروا صادفين عنها وجعلوها هزيمة، ومنح الله أكتافهم، وقتل منهم وأسر أكثر من عشرة آلاف رجل، وشرد الباقون في البوادي، واستمرت بهم الهزيمة، وطلبهم الأولياء إلى وقت صلاة عشاء الآخرة من ليلة الأربعاء لسبع خلون من المحرم. ولما رأى القرمطي ذلك ورأى من بقي من القرامطة قد كاعوا عنه حمل أخًا له يدعى أبا الفضل مالًا وتقدم إليه أن يلحق بالبوادي إلى أن يظهر في موضع آخر فيصير إليه. وتجمع رؤساء القرامطة وهم الذين كانوا صاروا إلى رحبة مالك بن طوق فطلبوا الأمان، وهم أبو المحمدين والنعمان بن أحمد وأحمد بن النعمان أخو أبي المحمدين ووشاج وعطير وشديد بن ربعي وكليب من رهط النحاس وعصمة السياف وسحيفة رفيقة ومسرور وغشام، فقالوا للقرمطي وهو صاحب الخال: وقد وجب حقك علينا، وقد رأيت ما كان من جدنا واجتهادنا، ومن حقك علينا أننا ندعك ورأيك، وإنما يطلبنا السلطان بسببك، فانج بنفسك، فأخذ ألف دينار فشدها في وسطه في هميان، وأخذ معه غلامًا له روميًا يقال له لؤلؤ كان يهواه ويحل من محل بدر من المعتضد بالله، وركب معه المدثر، وكان يزعم أنه أبن عمه، والمطوق غلامه، ومع كل واحد هميان في وسطه، فأما المطوق وهو أتخذ له سخابٌ وقت دخوله إلى مدينة السلام
1 / 32