أسرار البلاغة - ت محمود شاكر
أسرار البلاغة - ت محمود شاكر
Penerbit
مطبعة المدني بالقاهرة
Lokasi Penerbit
دار المدني بجدة
Genre-genre
فأما إذا رجعنا إلى التحقيق فإنَّا نعلم أن المشاهدة تُؤثِّر في النفوس مع العلم بصدق الخبر، كما أخبر الله تعالى عن إبراهيم ﵊ في قوله: " قَالَ بَلَى ولَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي " " سورة البقرة: ٦٢ "، والشواهد في ذلك كثيرة، والأمر فيه ظاهرٌ، ولولا أن الأمر كذلك، لما كان لنحو قول أبي تمام:
وطُولُ مُقَامِ الَمَرْءِ في الحيِّ مُخْلِقٌ ... لِدِيبَاجتَيْهِ فاغْتَرِبْ تتجدَّدِ
فإنِّي رَأَيتُ الشَّمْسَ زِيدَتْ محبّةً ... إلى النّاس أنْ لَيْسَتْ عليهم بسَرْمَدِ
معنى، وذلك أنَّ هذا التجدُّد لا معنى له، إذا كانت الرؤية لا تفيد أُنْسًا من حيث هي رؤية، وكان الأنس لنَفْيها الشَّكَّ والرَّيب، أو لوقوع العلم بأمر زائدٍ لم يُعْلَمْ من قبل، وإذا كان الأمر كذلك، فأنت إذا قلت للرجل أنت مُضيعٌ للحَزْم في سعيك، ومخطئٌ وجهَ الرشاد، وطالبٌ لما لا تناله، إذا كان الطَّلب على هذه الصفة ومن هذه الجهة، ثم عقّبْتَهُ بقولك وهل يحصل في كفِّ القابض على الماء شيء مما يقبض عليه؟، فلو تركنا حديث تعريف المقدارِ في الشدة والمبالغة ونَفْي الفائدة من أصلها جانبًا بقي لنا ما تَقْتَضيه الرُّؤية للموصوف على ما وُصف عليه من الحالة المتجدِّدة، مع العلم بصدق الصفة يُبيّن ذلك، أنه لو كان الرجل مثلًا على طرفِ نَهَرٍ في وقتِ مخاطبةِ صاحبهِ وإخباره له بأنه لا يحصل من سعيه على شيء، فأدْخل يده في الماء وقال: انظر هل حَصَل في كفيّ من الماء شيء؟ فكذلك أنت في أمرك،
1 / 126