ولقد ارتأى الزعماء المحترمين الناهضين لتطهير بلادهم من رجس الاحتلال بأن ينظموا جيشا من المتطوعين، ويؤلفوا قوة نظامية على قواعد مخصوصة. وقد خصصوا بذلك كل ما يقتضي من اللوازم والمعدات وقرروا بتشكيل قوة الدرك في النجف والكوفة، وستظهر إلى حين الوجود على أحسن طرز.
ثم خمدت الثورة بعد قليل فتعطل «الاستقلال»، ولم يفت العدد الثامن وهو رقم صغير، ولكن عمل الجريدة وأثرها كبيران في تاريخ الكفاح والاستقلال.
الصحافة بعد تأسيس الحكومة العراقية
انقضت على خمود الثورة العراقية فترة، وتوصل السر برسي كوكس المندوب السامي البريطاني إلى شيء من إقرار الحالة، وسارت الحكومة المؤقتة التي ألفها برئاسة عبد الرحمن النقيب شوطا في الأعمال التمهيدية لتأسيس مملكة العراق، وأسفر «مؤتمر القاهرة» الذي عقده الإنكليز في آذار (مارس) سنة 1921 عن تقرير السياسة البريطانية في العراق بإنشاء دولة عراقية عربية، يرأسها أمير من البيت الهاشمي مقيدة بالقانون، وعاد من الخارج كثير من الضباط العراقيين والمنفيين بعد صدور العفو العام، فتجمع في قلب الوطن الذين شردتهم الحرب أو سياسة الاحتلال، وساعد الجو السياسي على جمع الكلمة وتوحيد الصفوف، وانبعث الروح الوطني على وجه إيجابي بعد أن سكن لهيب الثورة، وتوجهت الأفكار نحو بناء الدولة الناشئة.
في هذه المرحلة بدت الحاجة إلى صحافة نشيطة تنسجم مع الوضع، وتقوم بواجبها القومي في تهيئة الأذهان للحدث الجديد، فنبتت الرغبة في إصدار الصحف، فسارعت الحكومة في منح الأذون بها، وبعد أن كانت بغداد العاصمة محرومة من الصحافة إلا جريدة يومية واحدة هي «العراق» كما رأينا، برزت في وقت واحد أربع جرائد جديدة هي «الفلاح» و«لسان العرب» و«دجلة» و«الرافدان»، وطفقت أقلام البلد كلها تدعو إلى استقبال الصفحة الجديدة من حياة العراق بعودة الملك إلى أهله الشرعيين، وقيام العرش العراقي على ضفاف دجلة بعد أن أضاعه العراقيون منذ سبعمائة عام، ففاضت أنهر الصحف الأربع المذكورة مع جريدة «العراق» بالمقالات والأبحاث عن الدولة في فجر تأسيسها، والتاج الجديد والعرش العتيد والمرشح للجلوس عليه، ومع أنه سبق للعراقيين يوم نادى السوريون بملكهم العربي الأول في عصر اليقظة، أن نادى الاستقلاليون الذين تكلموا باسمهم في دمشق بذكر مرشح للعرش العراقي، فإن صحافتنا في المرحلة التي نتحدث عنها قد اجتمعت على أن الأمير فيصل بن الحسين هو مرشح الشعب لعرشه المفدى.
جريدة الفلاح
استهلت جريدة «الفلاح» كتاباتها بأنها تسعى للاستقلال التام بتأسيس حكومة دستورية ملكية نيابية، ودعوة الأمير فيصل للجلوس على عرش العراق، و«الفلاح» جريدة سياسية أنشأها في بغداد عبد اللطيف الفلاحي، ومع أنه من خريجي الكلية العسكرية في إستانبول فقد انصرف إلى العلم والتعليم، فأنشأ في العهد العثماني مجلة «مكتب» - يعني مدرسة في اللغة التركية باللغتين العربية والتركية - وأصدر في العهد الفيصلي في الشام مجلة «العلوم» شهرية.
لهذا عنون جريدته «الفلاح» يوم ظهرت في 20 حزيران (يونيو) سنة 1921 بأنها «جريدة سياسية علمية»، ولم يشأ أن يوقفها على السياسة، بل خص كثيرا من أعمدتها بالعلم والأدب، ومما جاء بصدد خطتها حول المرشح للعرش:
أن يكون الرجل الذي نملكه علينا موضع ثقة الأمة، جامعا للصفات التي تؤهله أن يكون ملكا عليها، وأن يكون عربي النزعة، شريف النجار ...
إلى أن قال:
Halaman tidak diketahui