فلم يكن من والي كربلاء المذكور إلا أن وجه إلى الجريدة بعد اطلاعه على هذا المقال هذا الإنذار مؤرخا في 8 تشرين الثاني (نوفمبر) سنة 1920:
إلى صاحب جريدة الاستقلال
إن مقالكم المنشور في جريدتكم تحت عنوان: «الشتاء على الأبواب»، مما يثبط عزم المجاهدين ويقلل من معنوياتهم، كما يعطي للعدو إحساسا بضعف الثوار، وعليه ننذركم بهذا بلزوم عدم نشر كل ما يوحي بالضعف أو يدل على ذلك.
ونقل إلى صاحب الجريدة محمد عبد الحسين أن الهيئة المشرفة على شئون الثورة لم تشايع والي كربلاء في رأيه فاعترضت عليه بكتاب رسمي.
وإليكم نموذجا من وصف جريدة الاستقلال لحصار الجيش الإنكليزي في الكوفة وعنوانه «الحصار في الكوفة أو مقبرة الأعداء»:
لا يخفى أن جيش الأعداء المحصور في الكوفة قد اضمحل أكثره وتلاشى جوعا وقتلا، رغما عن اتخاذه لكل وسائل الاحتفاظ، وتأكد بأنه استولى على البقية الباقية منه الضعف والوهن، كما استولى عليه القنوط واليأس فأصبح وهو أسوأ حالا من ذي قبل.
ضاقت دائرة حصاره واشتد عليه الخناق فبات وهو في دائرة أضيق من جحر الضب، هي محل سكناه ومقبرة أصحابه وإصطبل خيله وبغاله، وتتخللها الرياح من جيف قتلاه المتصاعدة من أشلائهم الخبيثة. وقد استعد للموت فشق في أطراف تلك الدائرة أخدودا يلتجئ إليها ويحتمي بها من القذائف، ومن مرميات مدافعنا الضخمة التي ما برحت تصب عليه العذاب صبا، وإذا أمعنت النظر في تلك الملاجئ التي اتخذها العدو ترى أن زعيم هذا الحصار قد اختار له ولأصحابه محل الحصار مقبرة يقبر بها تلك الجثث الأثيمة، ولقد جنى على نفسه وعلى جيشه المحصور جناية لا تغتفر.
قام المدافعون عن حقوقهم والناهضون في طلب استقلالهم فشددوا عليه الحصار حتى نفد ما عنده من مواد الغذاء، وانقطع رجاؤه من كل نجدة أو سبب يخلصه من تلك الورطة التي وقع بها.
وأي نجدة تنقذه وقد تقلص نفوذ حكومته الجائرة من العراق حتى أصبحت أشغل من ذات النحيين بسبب ما انتابها من رجال النهضة وزعمائها، التي انتقضت عليها من كل مكان ومن كل جهة تطالب بحقها الصريح، وتدافع بنفوسها ونفسها عن استقلالها الطبيعي بشعور يتوقد غيرة وحماسا، يمثل الشدة والبأس، ويظهر للملأ الحمية العربية وكيف تدافع عن وطنها المحبوس، فتفديه بأرواحها.
أكرم بهذا الشعور الحساس الذي أدهش العالم الأوروبي، وأكرم بتلك الهمم الشماء.
Halaman tidak diketahui