وكان شيخنا رحمه الله يعترض هذه الطريقة بأن العام لا يتناول الأعيان تناول الخاص لما دخل تحته لأنه موضوع في اللغة على حال يجوز معها دخول التخصيص وليس كذلك الخاص؛ لأنه يتناول شيئا مفردا دون غيره لا على وجه الشمول فإذا ورد ما ينافيه أسقط فائدته ولا كذلك العموم، فإنه إذا ورد عليه الخاص متناولا لما خرج عنه فلم يلغ فائدته في الأصل فهذا حكم ما يعلم التاريخ فيه.
فأما ما لا يعلم فيه التاريخ، فقد اختلفوا فيه أيضا.
فمن قال إن العام يبنى على الخاص سواء تقدم أو تأخر، يقول: إن جهل التاريخ بينهما لا يؤثر في الحكم شيئا بل يبنى العام على الخاص كما قدمنا.
ومن قال بأن الخاص المتقدم لا يخص به العام المتأخر بل يكون ناسخا له يقول إني أنتظر دلالة الترجيح أو صحة التاريخ فأقطع على النسخ؛ لأني لا آمن -والحال هذه- أن يكون العام متأخرا والخاص متقدما فأكون قد عملت بالمنسوخ، أو يكون الخاص متقدما والعام متأخرا(1) فأكون قد قطعت بغير دليل، فذلك لا يجوز ولا مخلص من هذا الخطر إلا التوقف حتى تبدو الدلالة أو يقع الترجيح.
وهو كأن يكون أحدهما يفيد حكما شرعيا والآخر يبقي ذلك على حكم العقل فاعمل بالأول، أو يكون أحدهما حاظرا والآخر مبيحا فاعمل بالمبيح، أو يكون أحدهما يفيد حكما متفقا عليه والآخر مختلفا فيه فإني أعمل بالمتفق عليه، وهذه الوجوه تحكى عن الشيخ أبي عبدالله.
مثال ما يعلم فيه التاريخ من الخاص والعام في هذه المسألة: آية القذف فإنه عام ثم تعقبها خبر اللعان فخص الزوجان، وإن أزال الحكم الحكم الأول.
Halaman 100