إذا ورد عام يتناول إثبات حكم وورد ما هو أخص منه يقتضي نفي ذلك الحكم عن بعضه، فلا يخلو إما أن يردا معا أو لا(1) فإن وردا معا فلا خلاف أن العام يبنى على الخاص؛ لأن هذا هو الواجب في كلام الحكيم سبحانه، وإن لم يردا معا بل ورد كل واحد منهما منفصلا عن الآخر فلا يخلو إما أن يعلم التاريخ بينهما أو لا يعلم، فإن علم التاريخ بينهما فلا يخلو إما أن يكون العام المتقدم والخاص المتأخر أو لا يكون.
فإن كان العام المتقدم والخاص المتأخر فحكى شيخنا رحمه الله أنه لا خلاف أيضا أن العام يبنى على الخاص.
وإن كان الخاص المتقدم والعام المتأخر فقد اختلفوا في ذلك:
فمنهم من قال يبنى العام على الخاص تقدم الخاص أو تأخر، وحكاه شيخنا رحمه الله تعالى عن الشافعي وأصحاب الظاهر(1).
وعمدتهم في ذلك: أن كلام الحكيم سبحانه وتعالى يجب استعماله ما أمكن، فإذا لم يمكن إلا ببناء العام على الخاص وجب البناء كما إذا وردا معا.
ومنهم من قال: إن الخاص المتقدم لا يخص به العام المتأخر بل يكون العام المتأخر ناسخا له، وحكاه شيخنا رحمه الله تعالى عن عيسى بن أبان، وأبي الحسن الكرخي(2)، وعمدتهم في ذلك: أن العام -والحال هذه- جار مجرى الخاص؛ لأن العام يتناول الآحاد، ويتعلق بها تعلق الخاص بما أفاده، فإذا تنافيا في القدر الذي تناوله الخاص جريا مجرى العمومين المتعارضين، ولا خلاف أنهما إذا تعارضا وعلم التاريخ أن الآخر ينسخ الأول، فكذلك هذا.
Halaman 99