والذي يدل على صحة ما قلناه: أن التخصيص إخراج بعض ما يتناوله الخطاب والأقل والأكثر في ذلك سواء، فجرى مجرى الإستثناء، وقد تقدم الكلام في أنه يجوز استثناء الأكثر بما فيه كفاية، ولأن العترة قد أجمعت على تخصيص العام المعرف بالألف واللام، وإن رجع إلى واحد، وإجماعهم حجة على ما يأتي بيانه في باب الإجماع، فلو لم يكن جائزا لما أجمعوا عليه، وذلك في قوله تعالى: {إنما وليكم الله ورسوله والذين ءامنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون } [المائدة:55]، والمعلوم من حالهم أن المراد بذلك أمير المؤمنين(1) عليه السلام، وهذا الذي اعتمده شيخنا رحمه الله في المثال فتبركنا باتباعه وإلا فاختيارنا في هذه الآية وما شاكلها من ألفاظ الجمع التي يراد بها الواحد إلحاقها بباب المجاز لأن لفظ العموم يعود في أصل اللغة للكل، فإذا أريد الواحد علمنا أنه استعير له لغرض من الأغراض، ومثل ذلك موجود؛ فإن المروي عن عمر لما أمر إلى أبي موسى بالقعقاع(1) كتب معه: (إني قد أنفذت إليك بألف رجل) وهو لا يريد إلا القعقاع نفسه، ولم ينكر عليه أحد، وكذلك قوله سبحانه وتعالى: {فقدرنا فنعم القادرون} [المرسلات:23]، فأما هذه الآية ففيها قرينة توجب حمل الخطاب على الواحد الذي هو أمير المؤمنين عليه السلام، وهو قوله سبحانه: {ويؤتون الزكاة وهم راكعون} [المائدة:55]، ولم يعلم ذلك من غيره، ولأن هذه القرينة لو لم تكن فإجماع العترة عليهم السلام على أنه المراد بهذه يوجب رجوع الحقيقة إلى المجاز وحمله على الواحد كما ثبت مثله في قوله: {فقدرنا فنعم القادرون } [المرسلات:23]، فإن الدلالة توجب رجوعه عن بابه وحمله على الواحد الذي هو الله سبحانه.
Halaman 90