Saad Zaghloul Pemimpin Revolusi
سعد زغلول زعيم الثورة
Genre-genre
الفصل الثالث
الثورة
سرى نبأ الاعتقال بطيئا متناقضا في اليوم الأول؛ لأن القيادة العسكرية حظرت على الصحف نشره والتلميح إليه، فعلم به أعضاء الوفد وأصدقاؤه وموظفوه في يومه، وعلم به طلبة المدارس العليا في اليوم التالي؛ لأنهم يجتمعون في أمكنة متقاربة، وينتمي بعضهم إلى أعضاء الوفد وأصدقائه بصلة القرابة أو المعرفة، وتسامعت به أحياء القاهرة شيئا فشيئا، وانتقل منها إلى الأقاليم بمثل ذلك البطء والتناقض، فلم يسر إلى القطر كله إلا بعد يومين أو ثلاثة.
أضرب طلاب المدارس العليا في صباح اليوم العاشر من شهر مارس عن تلقي الدروس، وخرجوا من مدارسهم في مظاهرة كبيرة طافت بدور المعتمدين السياسيين للاحتجاج على اعتقال الزعماء، وعلى كبت شعور الأمة وحرمانها الحق في إبداء مشيئتها، وهي تسمع كل يوم دعوة الأمم كافة إلى بيان حقها وتقرير مصيرها.
وأضرب عمال الترام بعد الظهر، ثم أضرب الحوذية في اليوم الحادي عشر، وأصبحت الدكاكين مغلقة في معظم أنحاء المدينة إلا الدكاكين الأوروبية، وتجددت المظاهرات من طلاب المدارس وطلاب الأزهر وطوائف شتى من الجمهور، فقابلها الجنود البريطانيون بإطلاق المدافع الرشاشة غير مفرقين بين كبير وصغير، ولا بين مشترك أو غير مشترك في المظاهرة.
وكانت نقابة المحامين قد أعلنت الإضراب؛ فانقطع المحامون عن المحاكم إلا من كان يوفدهم المجلس إليها لطلب تأجيل القضايا، واستثارت القسوة في قمع المظاهرات غضب الناس وحنقهم؛ فكثرت المظاهرات بدلا من أن تقل، واضطرمت وقدتها بدلا من أن تخمد، وطاش صواب الحراس العسكريين من جراء هذه المفاجأة؛ فأصبحوا لا يميزون بين جمع وجمع، ولا يطيقون النظر إلى حشد من الناس. ففي يوم الجمعة الرابع عشر من شهر مارس أطلقت السيارات المدرعة نيرانها على حشد كبير بجوار المسجد الحسيني؛ فقتلت منهم بضعة عشر وجرحت خلقا كثيرين، ولم يكونوا في مظاهرة ولا قصدوا إلى التظاهر، ولكنهم كانوا خارجين من المسجد بعد أداء الصلاة، وضابط الفرقة يجهل كل شيء إلا أنهم قوم متجمعون، وعنده أمر صريح بإطلاق النار على كل قوم متجمعين!
وتعددت المظاهرات في مدن القطر، فقوبلت بمثل ما قوبلت به في القاهرة، وسرت أخبار القتل وإطلاق الرصاص إلى أنحاء الأقاليم؛ فانفجر كمين السخط الذي طال كظمه في الصدور، وانفجرت الثورة في كل مكان.
من الخطأ أن يقال: إن المظاهرات كانت هي سبب الثورة الوحيد، أو إن الثورة ما كانت لتنفجر في القطر لولا مظاهرات العاصمة. فإنما كانت المظاهرات كالشرر الأول يتطاير من فوهة بركان يغلي وهو يهم بالانفجار، فمن شهد تلك الثورة الجارفة التي اندفعت في حينها اندفاعا يدل على عمق مكامنها وتأجج وقودها، أيقن أنها قوة لا تحبس طويلا، وأنها هي سبب المظاهرات وليست نتيجة المظاهرات.
فقد صبر الناس زمنا على مظالم الحرب ومضانكها، ثم انتظروا الفرج بعد الهدنة، فإذا بهم يعالجون مرارة الخيبة ويوجسون من مخاوف المستقبل فوق ما أوجسوا من مخاوف السنوات الماضية، وزاد في نكايتهم أنهم يعانون هذا الكظم كله في الوقت الذي تعلو فيه دعوة الإنصاف وتتجاوب فيه الأصداء بالظفر والرجاء، وأنهم يطلبون أمرا يسيرا هو حق الشكوى والاحتجاج فيجابون بالتهديد والإقصاء عن البلاد، ثم يستنكرون هذا العنت الغاشم فيعاقبون بإطلاق الرصاص، ولا يراد منهم إلا أن يختنقوا وهم صامتون.
فلما شاع خبر إطلاق الرصاص على المتظاهرين، وشاعت أخبار الموتى والمعتقلين من الطلاب والشبان العزل المسالمين، طغى الغضب بعد أن طم، وظهر بعد أن عم، وكان ظهوره على نمط واحد في جميع البلاد بغير تدبير ولا سبق اتفاق، فبدأ انقطاع السكك الحديدية ما بين طنطا وتلا في اليوم الثالث عشر من الشهر، ثم انقطعت في جهات كثيرة دفعة واحدة، وتناول التحطيم والتخريب أسلاك التلغراف والتليفون وقضبان السكة الحديد حيثما وصلت إليها أيدي الثائرين.
Halaman tidak diketahui