Saad Zaghloul Pemimpin Revolusi
سعد زغلول زعيم الثورة
Genre-genre
إن السياسة الاستعمارية لو راجعت نفسها لحارت كما نحار نحن؛ فلم تدر هل هذه الحوادث من المصادفات السعيدة أو من البلاء المحذور!
ونعود إلى مصاعب الوزارة السعدية فنقول: إن الشواغل والأزمات لم تكن موقوفة على العلاقات المصرية الإنجليزية وحدها وما يتفرع عليها؛ فإن الوزارة السعدية لم تقم في الحكم أياما حتى قابلتها مشكلة عسيرة مع الحكومة الإيطالية، وهي إلحاح هذه الحكومة في تسليم عشرة من اللاجئين السياسيين من أهل طرابلس قدموا إلى مصر، واعتقلتهم الوزارة الإبراهيمية قبل قيام الوزارة السعدية. وكانت حكومة موسوليني تأبى أن تقنع بما دون التسليم، وثارت ثائرة الأمة المصرية لهذه المطاردة العنيفة لأناس لم يقترفوا من وزر إلا الدفاع عن حرية بلادهم كما يحق لكل إنسان، بل كما يجب على كل إنسان، واحتدمت النفوس غيظا من هذا اللدد الغريب في ملاحقة اللاجئين بالعقاب بعد أن هجروا ديارهم وألقوا سلاحهم وذاقوا مرارة الخيبة والهزيمة، كأنما هم الواترون وإيطاليا هي الموتورة المعتدى عليها التي لا ينبغي لها أن تنسى جزاء الوتر والعدوان.
والطرابلسيون بعد جيران المصريين وإخوانهم في اللغة والدين وفي قضية الحرية والاستقلال، والوزارة السعدية لا تشعر إلا بهذا الشعور، ولا يجمل بها - وعلى رأسها زعيم المجاهدين الوطنيين في الشرق العربي - أن تسلم بيديها أولئك الغرباء المساكين للموت والبلاء؛ فرفضت تسليمهم وأصرت على الرفض كل الإصرار، وخشيت في الوقت نفسه أن يتفاقم الخلاف بينها وبين الحكومة الإيطالية تفاقما يجر إلى دخول الحكومة البريطانية في القضية؛ لأنها مسئولة - كما تدعي - عن حماية الأجانب وعن علاقات مصر الخارجية، حيث يؤذن الخلاف بتعريض مصر لاعتداء أو تهديد من إحدى الدول القوية؛ فتوسط سعد في فض هذه المشكلة بحل لا يسخط الحكومة الإيطالية كل السخط وإن كان لا يرضي المصريين كل الرضى، واكتفى بإطلاق اللاجئين المعتقلين ليبرحوا القطر إلى حيث يشاءون.
ولم ينته الخلاف مع إيطاليا بهذه المشكلة، بل نشبت بعدها مشكلة أخرى لإكراه الحكومة المصرية على ضم واحة جغبوب إلى البلاد الطرابلسية، وقد استغرب الناس هذا التحرش بالوزارة السعدية من الحكومة الإيطالية، حتى بدر إلى ظنهم أنها مغراة بذلك من أناس يتصلون بها، ويجوز أن يحرضوها على خلق الأزمات لإحراج سعد وتكبير المصاعب عليه، وطال الأخذ والرد في هذه المشكلة، حتى انتهت بالاتفاق بين قائد السلوم ومندوب الحكومة الإيطالية على حد موقوت بين مصر وطرابلس تدخل به جغبوب والسلوم في الأرض المصرية، وسرعان ما عادت الحكومة الإيطالية وحدها إلى تغيير هذا الحد بغير مشاورة ولا استئذان!
يضاف إلى هذه المشاكل كلها شواغل البرلمان الأول التي لا بد منها؛ فقد كان على الوزارة البرلمانية الأولى أن تعرض عليه جميع القوانين والمعاهدات التي حدثت بعد فض الجمعية التشريعية ، وكان عليها وعلى البرلمان أن يشتركا في ترتيب نظامه الداخلي وعلاقته بالوزارة ومصالح الحكومة، وأن يشتركا في تعديل قانون الانتخاب على الوجه الذي يرضاه السعديون، وهم لا يرضون عن قانون الدرجتين.
والبرلمان هل كان يخلو من صعوباته؟ وهل كانت الوزارة السعدية لا تحسب حسابه إلا لتستعين به على خصومها في جميع قراراته ومناقشاته؟
كلا! فقد كانت لأبي الديمقراطية المصرية صعوباته ومساجلاته أيضا مع البرلمان بمجلسيه من نواب وشيوخ، وكان يحتاج أحيانا إلى قوته كلها ليروض بها قوة هذا البرلمان. ولا نعني المعارضة وحسب؛ فإنها لم تكن تتجاوز عشر المجلسين في عدد الأعضاء، ولكننا نعني الأعضاء الوفديين، وهم أنصار سعد وأبناؤه ومريدوه، وكانت تتألف منهم الهيئة الوفدية التي اكتمل تأليفها بعد انعقاد البرلمان بنحو شهرين لتنظيم المناقشات ومنع الاحتكاك بينها وبين الوزارة، وقال سعد في خطابه لأعضائها من مجلس النواب:
النظام يتطلب من كل منكم أن ينزل عن جزء يسير من حريته حتى تجتمع الحرية كاملة من هذه الأجزاء للهيئة التي قبلتم العمل تحت لوائها، والحرية متوافرة من قبل في اختيار الهيئة التي تتضامنون معها واختيار النظام الذي تسيرون عليه، فلا معنى للقول بأن الحرية تنعدم مع النظام. إن الحكومة منكم وأنتم عضد الحكومة، فيجب أن تكون هيئتكم منظمة ليمكن أن يكون سير الحكومة منظما.
ومع هذا لم تخل جلسات الشيوخ والنواب من معارضة للحكومة في أمور أصرت فيها الحكومة على رأيها وأصروا فيها على رأيهم، فلم يرجعوا عنه بعد طول المساجلة والجدال.
أودعت الحكومة القوانين الني صدرت قبل اجتماع البرلمان مكتب مجلس النواب، وفيها قانون الاجتماعات المنظم لحق الاجتماع المباح بحكم الدستور في حدود القانون، فنظر مجلس النواب هذا القانون في غيبة الوزارة دون أن يكون مدرجا بجدول الأعمال، وقرر إلغاءه بلا تقييد ولا تعديل؛ فجاء سعد في الجلسة التالية (2 يوليو)، ولاحظ على مبدأ نظر القوانين في غيبة الحكومة المصرية قائلا:
Halaman tidak diketahui