Rocambole
الإرث الخفي: روكامبول (الجزء الأول)
Genre-genre
وكان الظلام قد أقبل، فلم يسر بضع خطوات حتى عثرت رجله بألعوبة الطفل، وهي فرس صغير من الخشب، فتحقق منها وجود الولد؛ لأنه لا يفارق ألعوبته، وبينما هو يبحث عنه إذ سمع غطيطا خفيفا، فسار إليه فرأى الطفل نائما بقرب حصانه الخشبي وقد تعب من اللعب.
وكان فيليبون قد صرف جميع ساعات النهار في العزلة، يجهد الفكرة لتمكنه من حيلة يلقي بها الطفل في شراك الموت طمعا بأمواله وتشفيا من أمه، فلم يهتد إلى سبيل، ولم يفتح له باب، فلما رآه راقدا على السطح أيقن بالفوز والظفر بأمنيته، فأخذ الطفل بين يديه، ونظر إلى الجهات الأربع نظرة السارق يحاذر رقيبا، ثم ألقى به إلى البحر، ووقف في الرواق يراقب سقوطه بعينين تتوقدان بنار ذلك القلب الفظ الأثيم، فهوى الطفل إلى البحر، واحتجب عن مرآه بين الأمواج، فكان كفنه الأبيض ذلك العجاج المتلاطم.
ثم وقف بعد ذلك يبتسم ابتسام المنتصر، وهو يقول في نفسه: قد بلغت ما أردت؛ فإن تلك الثروة العظيمة ستكون لابني من بعدي ولا دليل على جرمي، فإن ما يتبادر إلى الذهن هو أن الولد قد هوى إلى البحر من نفسه ولا بد لي في ذلك، ولم يرني أحد عند دخولي فلا خوف علي من التهمة. ثم لبث برهة ساهي الطرف بغير حراك إلى أن عاد إليه هدوءه وسكونه، فدخل إلى غرفة امرأته، وكان ما كان من محادثتهما.
أما امرأته، فكانت قد أقلقت بصياحها القصر وساكنيه، فشغلوا جميعهم في البحث عن أرمان، يجولون من مكان إلى آخر، وهي تبكي بكاء الخنساء، وتنادي ولدها بصوت متقطع يذيب قلب الجماد، كل ذلك وفيليبون يسير في إثرها وهو يتكلف الحزن ويتظاهر بالقلق، وما زالوا كذلك إلى أن عاد إليهم أحد الخدم وبيده قبعة الطفل وألعوبته، فلما رآهما فيليبون أظهر الاضطراب، وقال: وا أسفاه! إني أخشى أن يكون قد سقط إلى البحر. فوهت قوى امرأته لخوفها من هذا القول، وسقطت على كرسيها وهي توشك أن يغمى عليها من الإشفاق، فبينما الخدم يحيطون بها وفيليبون يحاول أن يطمئنها ويسكن روعها، إذ دخل رجل غريب ووقف في الباب ينظر إلى فيليبون نظرة العظمة والاحتقار، فلم يكد فيليبون يتبين وجهه حتى رجع وجلا إلى الوراء منذعرا، كأن الصاعقة قد انقضت عليه، واتكأ على الحائط كأن رجليه قد ضعفتا عن حمله.
4
أما ذلك الرجل الذي ظهر على باب الغرفة وراع منظره فيليبون، فقد كان يناهز الأربعين من العمر مرتديا برداء أزرق طويل، عليه إشارة حمراء كما كانت تلبس الجنود في ذلك العصر، وكان عالي القامة عليه ملامح الشهامة، وقد اصفر وجهه من الغيظ عندما أبصر بفيليبون، فرماه بنظرة احتقار خرجت من عينيه كالسهم المارق إلى فؤاده، ثم تقدم إليه وصرخ به يقول: أيها القاتل.
فانذعر فيليبون، وقال بصوت متقطع: من الذي أرى ... بستيان؟ أدنا يوم النشور؟ أبعث من في القبور؟
فقطع بستيان عليه الكلام، وقال: نعم، أنا هو بستيان، أنا هو ذلك الرجل الذي ظننت أنك قتلته وهو لا يزال حيا يرزق، نعم أنا هو ذلك الجندي الأمين الذي أطلقت عليه غدارتك، فأغمي عليه لفرط ما نزف من دمائه، ثم أفاق فوجد نفسه قرب مولاه القتيل، نعم أنا ذلك الخادم المطيع الذي مكث في أسر الروسيين أربعة أعوام، فعاد الآن يسألك عن دم مولاه الذي هدرته غدرا وعدوانا.
ثم نظر إلى الكونتسة وقال: سيدتي، إن هذا هو الذي قتل الولد كما قتل أباه.
ولقد تعجز الأقلام وينحبس اللسان عن وصف ما كان من الكونتسة بعد أن تبينت لها تلك الخيانة، وعلمت بمقتل زوجها وابنها، فزأرت كاللبوة التي فقدت أشبالها، وانقضت على فيليبون انقضاض الكواسر، تحاول تمزيقه بأظافرها وهي تصيح به: أيها القاتل، إن النطع ينتظرك، وسأقودك إلى الجلاد بيدي.
Halaman tidak diketahui