394

Rocambole

الإرث الخفي: روكامبول (الجزء الأول)

Genre-genre

وكان لهذا الدوق ابنا أخ، أحدهما يدعى الدون بادرو والثاني يدعى الدون جوزيف، ولما رأى أنه لم يرزقه الله مولودا ذكرا يرث اسمه النبيل، عزم على أن يزوج ابنته بابن أخيه الدوق، كي ينحصر الإرث بالعائلة.

وكان الدوق جوزيف يجيء معهم كل مرة إلى باريس، ويزورهم في كل يوم، فكان الناس يتحدثون أنه هو الذي سيتزوج الصبية، غير أنه تعاقب على هذه الزيارات عامان فجعل الناس يقولون إنه لا بد من حائل يحول دون هذا الزواج، فتهافت الخطاب على قصر الدوق وكلهم من علية القوم وكبار النبلاء، ولكن الفتاة كانت ترد جميع خطابها وتعتذر بأنها لا تزال صغيرة ولا رغبة لها بالزواج.

وكان الحائل بينهما مرض أخيه الدون بادرو، فإنه كان عليلا منذ أربعة أعوام، وقد أصيب بمرض غريب عضال عجز عنه الأطباء وقنط الدوق من سلامته، فانصرف بآماله إلى ابن أخيه الدوق جوزيف، وأراد أن يزوجه ابنته بعد وفاة أخيه لأنه كان يحبه، إلا أن الفتاة كانت تكرهه؛ لأنها كانت تحب أخاه، وكان كرهها له ظاهرا لم يخف على عين روكامبول النقادة، حتى إنها كانت إذا التقت في منزلها بروكامبول والدون جوزيف تظهر ميلها إلى روكامبول، وتنفر من ابن عمها بقدر ما تسمح لها قيود المجاملة وروابط النسب، ولولا حب أبيها له لما اقتصرت في النفور منه عند هذا الحد.

فترجح لدى روكامبول أنها تحبه، وكان كلما حاول أن يكاشفها بغرامه يستشير أندريا فيقول له: اصبر، فإن الثمرة لم تنضج بعد، وإذا كانت تكره ابن عمها وتحبك كما تقول، فلا بد أن يحملها كرهه وحبك إلى أن تكون البادئة في بثك هواها، وعند ذلك أجد لك حيلة لإقناع أبيها.

فيمتثل روكامبول ويقتصر على مناجاتها بلغة العيون، وهي أنفذ رسول إلى القلوب.

إلا أن نبوءة أندريا قد صدقت، فإنه لم يمض على ذلك أسبوع كان روكامبول لا ينقطع في خلاله عن زيارة الدوق، حتى لقيه خادم الفتاة يوما وهو خارج من منزلها ودفع إليه رسالة، ففضها روكامبول فإذا هي من ابنة الدوق تدعوه فيها إلى التنكر عند منتصف الليل، وموافاتها إلى حديقة القصر من باب سري أرسلت إليه مفاتيحه، فأخذ روكامبول الرسالة وأسرع إلى أندريا، وهو يكاد يطير من الفرح وأخبره بشأنها، فقال له بعد أن تأمل مليا (وكان يخاطبه بالكتابة): ليس هذا اللقاء لقاء غرام، فإن مثل ابنة الدوق لا تدعوك إليها عند انتصاف الليل إلا لأمر خطير، ومن هنا ستبدأ روايتك، فاحرص على أن تظهر أمامها بمظاهر كبار النبلاء، واحذر من أن تبدر منك بادرة أو أن يدفعك غرور الصبى إلى المجاهرة بما لا يستحب، فإن عظماء الإسبان شديدو التمسك بالشرف، ولهم فيه كثير من التقاليد، فلا يغفرون زلة.

فاتعظ روكامبول بمواعظ أستاذه، وغادره إلى النادي الذي يجتمع فيه بأصحابه، حتى إذا دنا الأجل المضروب ذهب إلى منزله السري فتنكر وانطلق إلى الحديقة، ففتح بابها بمفتاحه وجعل يمشي تحت أشجارها مشية السارق حتى بصر بها جالسة تنتظره على مقعد من الرخام في ظل شجرة، فتعارفا وجلس بالقرب منها وجعل يكلمها بملء الاحترام.

وبعد أن اعتذرت له بصوتها الرخيم عن الخطة التي سلكتها معه واجتماعها به في منتصف الليل في خلوة سرية، قالت له: إني لم أفعل ما فعلت إلا لثقتي بنبلك، وقد دعتني هذه الثقة إلى أن أعتمد عليك في أمل جلل، فهل تكون موضع ثقتي ؟ - بل سأكون من أخلص خدمك. - إذن خذ هذه الأوراق، فقد كتبت فيها تاريخ أسرتي وبعض حوادثها، فمتى وقفت عليها وتمعنت بها، تعد إلي لأخبرك بما أريد منك.

ثم أعطته الأوراق، فتناولها روكامبول قائلا: ومتى تأمريني أن أعود إليك؟ - غدا في مثل هذه الساعة. - أين نجتمع؟ - في هذا المكان.

وقبل روكامبول يدها ثم انحنى أمامها بملء الاحترام وخرج، فانطلق مسرعا إلى منزله السري، فخلع ثياب التنكر وذهب إلى قصره، وصعد إلى الغرفة التي ينام فيها أندريا فأيقظه وأخبره بما كان، وقال: اسمع كي أتلو عليك هذه الأوراق.

Halaman tidak diketahui