Rocambole
الإرث الخفي: روكامبول (الجزء الأول)
Genre-genre
فاعتذر لها أرمان وقال: إني كنت قادما إليك منذ ساعة، فأعاقتني زيارة رجل طلب إلي أن أنقش له تمثالا، فكان ما كان من أمر عاقني، ولكن ما لي أراك شاحبة اللون، وعليك ملامح التأثر الشديد؟
فاضطربت الفتاة وقالت: أنت ترد ذلك؟
فأجابها وقد أخذ يدها بين يديه، وجلس على المقعد بقربها: نعم يا حبيبتي مرتا، ويسوءني جدا أن أراك دائما قلقة البال ساهية الطرف واجفة القلب، كمن يخاف أمرا، ولقد رأيتك اليوم على ازدياد، فهل تريدين أن تطلعيني على كنه أمرك؟
فأجابت الفتاة: نعم يا أرمان، إنك مصيب بظنك، فلقد خفت اليوم كثيرا؛ ولذلك أنتظرك على جمر. - ممن خفت؟ وممن تخافين؟ وكيف تخافين وأنا بقربك؟
فأسكتته الفتاة وقالت: إصغ إلي يا أرمان واعمل برأيي، فإنه يجب أن نغادر روما، فإنك ظننت أني هنا بمأمن من مطاردي، وتوهمت أنه لا يهتدي إلي بهذا الشارع المنفرد، ولكن ظنونك قد خابت، فإنه قد علم بوجودي بروما كما علم بذلك بفلورانسا، ويجب أن نخرج من هذه المدينة العظمى كما خرجنا من تلك.
وبينما كانت تتكلم اعتراها اصفرار شديد، فسألها أرمان: أين هي فورترينا الخادمة؟ - إني أرسلتها كي تدعوك، فربما تكون قد سارت بطريق آخر غير الطريق التي أتيت منها. - ربما، ولكني موجس ريبة من تلك المرأة التي أقمتها في خدمتك، وأمرتها ألا تفارقك على الإطلاق. - لا تظن سوءا، فهي تؤثر الموت على خيانتي.
فنهض أرمان، وجعل يمشي في الغرفة بخطوات غير موزونة تدل على قلقه وارتيابه، ثم نظر إليها وقال: ولكن ما الذي دعاك إلى طلب الرحيل؟ - قد رأيته. - من؟ - هو.
ثم قامت إلى النافذة، وأشارت بأصبعها إلى باب على قارعة الطريق، وقالت: أمس رأيته بعد ذهابك من عندي واقفا على هذا الباب وهو ينظر إلى منزلي بعين يتطاير منها الشرر، وما كنت أضأت المصباح في منزلي، ولكن القمر كان مضيئا، فما وقع نظري عليه حتى صرخت من الرعب وأغشي علي.
وكأنها رأته إذ كانت تقص حكايته، فعاد إليها اضطرابها إلى حد خشي عليها من الإغماء، فأخذها أرمان بين يديه، وأجلسها على المقعد، ثم جثا أمامها على ركبتيه وقال: أتريدين أيتها الحبيبة أن تصغي إلي؟ أتريدين أن تتكلي علي كما يتكل المؤمن على الله، وأن تثقي بي كما يثق الولد بابيه؟
فتنهدت مرتا وقالت: نعم أيها الحبيب، قل ما تشاء فليس لي سواك في هذا العالم، فإنك عضدي ونصيري وأبي وأمي، فعليك معتمدي في كل حال، وعليك اتكالي بعد الله.
Halaman tidak diketahui