ومثل آخر هو مثل الساعة ذلك هو حق المرأة السياسي، إننا لغاية اليوم نتعلل في حرمانها من هذه الحقوق بما نعرفه من سيكولوجيتها، فنحن نقول: إن مخها أقل من مخ الرجل، وبذلك يكون ذكاؤها أقل، وإن قوة احتمالها أقل، وإن عاطفتها جامحة، وإن تكوينها يعدها فقط للأمومة، وإن ... وإن ...
ولكن بقيت مسألة هامة أن السلوك الإنساني والسياسي ما هو غير غريزي وما هو بلا شك جزء من الميراث الاجتماعي، وهذا السلوك مبني على أسباب غير جلية، ولكن أثرها لا يمكن إنكاره، فمن ثم يتضح لنا أن سلوك المرأة السياسي يجب أن يوضع موضع التجربة على الأقل، بمعنى آخر يجب أن نتبين سلوكها في الانتخابات، والدعاية ووسائلها في البرلمان، وفي الإدارة وفي غير ذلك، من يدري؟ ربما كان في سلوكها السياسي ما يلقي بدوره ضوءا جديدا على طبيعة ذلك السلوك، وربما كان فيه ما يصحح لنا أخطاءا سيكولوجية أوقعنا فيها جهلنا وعجزنا عن المغامرة والتجربة.
وثم مسألة أخرى غاية في الأهمية، وهي أن الإدارة السياسية تجري بواسطة اللجان، واللجان حسب ما نعرف قسمان؛ استشاري وتنفيذي، والقسم الأول ناجح غالبا، والثاني فاشل في معظم الحالات، وقد أخذ علم النفس يبحث في أسباب الفشل السياسي؛ أي يبحث في أسباب فشل الهيئة التنفيذية للمشروعات غالبا ما تقع في أيدي قوم له خاصية سيكولوجية «الدفاع النفسي» وهي سيكولوجية قائمة على مركب النقص، ومركب النقص يدعو إلى «التهويش» وهذا التهويش هو دفاع عما تحته من العجز الحقيقي والقصور، فابتدعت في أمريكا طريقة تدعى طريقة الشريط الأحمر، وهي طريقة آلية يمشي فيها التفنيد من خطوة إلى خطوة حتى تنتهي الخطوات بلا تردد ولا تلكؤ، ولكن هذه الطريقة فشلت في السلم وإن نجحت في الحرب، فشلت في السلم لأن حالة السلم تقتضي المرونة والكياسة وإدراك الطبيعة الآدمية التي تتطلب الأيدي المرنة الذكية لتسيير دفة أمورها.
من هذا يتضح لنا أننا لا نزال في أول الطريق، على أن الطريق واضح مهما بدا للعين من أحجار وعقبات.
فإذا عدنا إلى ما بدأنا به الكلام من أن كل سلوك في الوجود هو غريزي أصلا، متجاهلين - بعض الوقت - مبدأ «ولاس» ألا وهو السلوك الغير الغريزي؛ أي الميراث الاجتماعي، فإننا ننظر في التعريف: «الغريزة هي اتجاه موروث نحو سلوك خاص»، فنجده يؤكد شيئين؛ الوراثة والسلوك، ويمكن مقارنة هذا التعريف بتعريف آخر يقرب منه ولا يقل عنه فائدة، ألا وهو أن الغريزة «عادة اجتماعية».
هذا التعريف وسابقه جديدان جدا، وقد محيا إلى الأبد التعريف القديم الذي ألفناه وهو أن الغريزة «دافع حيوي» أو فعل «منعكس» ... إلخ.
وفائدة التعاريف الحديثة جليلة جدا فهي قد فرقت بين الفرد والمجتمع، وبعبارة أخرى: محت ما كان معتقدا بأن هناك فرقا بين السلوك الفردي والسلوك الاجتماعي، ومحت كذلك ما كنا نسمع به عن «العقل الاجتماعي
Group Mind » وإني أعتقد كما يعتقد «ريفرز» وغيره أن هذا الكلام عن العقل الاجتماعي خرافة، فإن المجتمع ما هو إلا الأفراد مجتمعين وما سلوكه إلا سلوك الأفراد معا.
ولقد تحدث «جوستاف لوبون» وغيره عن هذا العقل الاجتماعي مدللين على وجوده بحالات خاصة تحدث في الحرب والفزع والنكبات، فإن الناس يتصرفون تصرفا جديدا ويمشون على نسق غير مألوف، ولكن المحققين في علم النفس الحديث يقولون: إن ما يحدث ليس إلا استيقاظ غريزة «القطيع» التي هدأت في الطبيعة البشرية، وأخمدت جذوتها عوامل كثيرة أهمها الكتب والاستعلاء.
ولقد جر هذا البحث مشكلتين من أهم المشاكل يرتكز بحثهما على الغريزة من جديد، وينتهي التحقيق منهما إلى رأي قاطع من حيث استطاعة البشر أن يرجعوا إلى حالة اشتراكية طبيعية أو لا يرجعوا.
Halaman tidak diketahui