الإخبار عن أمر هو كالشيء البادي للعون، لا يعمل أحد بصره إلا رآه.
١٢ - وإذا رأينا "الأحوال" و"الأقوال" منهم قد شهدت، كالذي بان، باستسلامهم للعجز وعلمهم بالعظيم من الفضل والبائن من المزية، الذي إذا قيس إلى ما يستطيعونه ويقدرون عليه في ضروب النظم وأنواع التصرف، فإنه الفوت الذي لا ينال، وارتقى إلى حيث لا تطمع إلهي الآمال، فقد وجب القطع بأنه معجز.
ذلك لأنه ليس إلا أحد الأمرين: فإما أن يكونوا قد علموا المزية التي ذكرنا أنهم علموها على الصحة وإما أن يكونوا قد توهموها في نظم القرآن، وليست هي فيه لغلط دخل عليهم. ودعوى الثاني من الأمرين سخف، فإن ذلك لو ظن بالواحد منهم لبعد، ذلك لأنه لا يتصور أن يتوهم العاقل في نظم كلام، جل مناه ومنى أصحابه أن يستطيع معارضته، وأن يقدر على إسكات خصمه المباهي به، أنه قد بلغ في المزية هذا المبلغ العظيم غلطًا وسهوًا، فكيف بأن يشمل هذا الغلط كلهم، ويدخل على كافتهم؟ وأي عقل يرضى من صاحبه بأن يتوهم عليهم مثل هذا من الغلط، وهم من إذا ذاق الكلام عرف قائله من قبل أن يذكر، ويسمع أحدهم البيت قد استرفده الشاعر فأدخله في أثناء شعر له، فيعرف موضعه وبنيه عليه، كما قال الفرزدق لذي الرمة أهذا شعرك؟ هذا شعر لاكه أشد لحيين منك إلى ضروب من دقيق المعرفة يقل هذا في جنبها؟ وإذا لم يصح الغلط عليهم، ولم يجز أن يدعي أنه كان معهم في زمانهم من كان بالأمر أعلم، وبالذي وقع التحدي إليه أقوم، فما زالت الشبهة في كونه معجزًا له.
١٣ - وإن قالوا: فإن ههنا أمرًا آخر، وهو ما علمنا من تقديمهم شعراء
1 / 126