Risalah dalam Teologi dan Politik
رسالة في اللاهوت والسياسة
Genre-genre
109
سادس عشر: الدين والدولة
هل يصلح نظام الحكم الإلهي (التيوقراطي) في الظروف الحاضرة؟ لو أراد الناس تفويض حقوقهم لله لكان عليهم عقد حلف معه، ثم قبول الله له! ولكن الله أخبرنا على لسان الحواريين بأن حلفه لم يعد حسيا لشعب معين بل روحيا في قلوب الناس للإنسانية جمعاء، كما أن نظام الحكم الإلهي لا يصلح إلا لشعب مغلق على نفسه، مقطوع الصلة بينه وبين سائر الشعوب؛ لذلك، فإن هذا النظام لا يصلح في ظروف الإنسانية الحاضرة. لم تكن غاية سبينوزا إذن من دراسة تاريخ العبرانيين مجرد البحث التاريخي عن أسباب سقوط دولتهم، بل كانت غايته الانتهاء إلى هذه النتيجة، وهي أن النظام الإلهي لا يصلح في الظروف الحاضرة نظرا لخلطه بين الدين والدولة أو بين السلطات الدينية والسلطات السياسية.
110
فلا يعني حكم الله استبعاد كل حكم إنساني يتمتع بسلطة سياسية مطلقة، فبعد أن فوض العبرانيون حقهم لله وضعوا ثقتهم في موسى من أجل تنظيم شئون حياتهم، ولم يكن لسواه هذا الحق، أما رؤساء الأسباط والقضاة فقد كان لهم الحق في الفصل في المنازعات أمام المحاكم. ومن تاريخ العبرانيين يمكن ملاحظة الآتي: (1)
لم تظهر الفرق الدينية إلا في وقت متأخر عندما استولى الأحبار على السلطة في الدولة، فبدأ الدين في الانهيار، وسادته الخرافة، وضاع التفسير الحقيقي للقوانين بل وفق الأحبار بين هذه التفسيرات وبين الأفعال المحرمة أو المكروهة، وبدأ الناس في تملق الأحبار وعم الفساد في الدين. (2)
دفع الأنبياء الناس إلى التطرف بدلا من تقويمهم في حين استطاع الملوك استمالتهم دون أدنى مقاومة. لم يتسامح الأنبياء معهم حتى مع أكثر الملوك إيمانا إذا كان سلوكهم مناقضا للدين؛ أي أن الأنبياء أضروا بالدين أكثر مما نفعوه. (3)
في أثناء حكم الشعب لم تنشأ إلا حروب داخلية فقط، وانتهت بإقامة سلام دائم، ولكن ما إن أتت الملكية حتى نشأت الحروب المستمرة وببشاعة ليس لها مثيل، ونشبت الحروب حبا في العظمة لا من أجل الحرية والسلام. وباستثناء سليمان، دعا الملوك الناس للحروب، وكان الدم تحت العرش. في أثناء حكم الشعب كانت الشرائع قائمة، وكان الأنبياء يحذرون الشعب من مخالفتها، وما إن تم انتخاب الملوك الأول حتى تدخل الأنبياء لإنقاذ الشعب من الموت. لم يظهر قبل عصر الملوك، الأنبياء الكذبة على حين شاعوا بعد تنصيب الخضوع لله، واستمروا في العصيان حتى هدم المدينة.
ومن العرض السابق للخلط بين الدين والدولة يمكن استخلاص النتائج الآتية: (1)
ينتج الضرر للدين وللدولة إذا ما أعطي رجال الدين سلطة سياسية في الدولة، ولا ينشأ الاستقرار إلا بفصل السلطتين، والحد من سلطة رجال الدين حتى يتفرغوا لأمور الدين وللعقائد السلفية الشائعة.
Halaman tidak diketahui