222

Risalah dalam Teologi dan Politik

رسالة في اللاهوت والسياسة

Genre-genre

لم يعد من الممكن اتخاذ الدين قاعدة سلوك ملزمة لدولة معينة، بل يصبح مجرد تعاليم عقلية شاملة، وأقول عقلية لأن الدين الشامل لم يكن قد أعطي للبشر بعد، وبذلك ننتهي دون تردد إلى أن الدين، سواء أكان موحى به بوساطة النور الطبيعي أو بالنور النبوي، لا تكون له قوة الأمر إلا بإرادة من لهم الحق في الحكم، وأن الله لا يحكم البشر حكما خاصا إلا من خلال أصحاب السلطة في الدولة. ويظهر ذلك بمزيد من الوضوح مما قلناه في الفصل الرابع؛ فقد بينا في هذا الفصل أن لقرارات الله في ذاتها حقيقة أزلية ضرورية، بحيث لا يمكن تصور الله كما لو كان أميرا أو مشرعا يفرض قوانينه على الناس؛ لذلك فإن التعاليم الموحى بها عن طريق النور الطبيعي أو النبوي لا تستمد مباشرة من الله قوة الأمر، بل تستمدها ضرورة ممن لهم الحق في الحكم وفي إصدار القرارات، أو بتوسطهم. وبدون هذه الوسيلة لن نستطيع تصور أن الله يحكم البشر بالفعل، أو يسير الأمور الإنسانية بالعدل والإنصاف، وهذا ما تؤيده التجربة ذاتها؛ إذ لا تبدو مظاهر العدل الإلهي إلا في البلاد التي يحكمها العادلون، أما في الحالات الأخرى فإننا نجد أن للعادل والظالم، وللطاهر والدنس، حظا واحدا (إذا شئنا أن نستخدم كلمة سليمان مرة أخرى) مما جعل كثيرا ممن يعتقدون بأن الله يحكم البشر مباشرة ويوجه الطبيعة كلها لمصلحة الإنسان، يشكون في العناية الإلهية. وعلى ذلك فما دام العقل والتجربة يشهدان بأن القانون الإلهي يقوم على مشيئة السلطات العليا الحاكمة وحدها، ينتج عن ذلك أن لهذه السلطات نفسها حق تفسيره. وسنرى الآن بأي معنى نقول ذلك؛ إذ إنه قد حان الوقت لنبين أن العبادات الظاهرة في الدين، وكل المظاهر الخارجية للتقوى، يجب أن تتفق مع سلامة الدولة لو أردنا أن نطيع الله مباشرة، وبعد الانتهاء من البرهنة على ذلك، يسهل علينا أن نعرف بأي معنى تكون السلطات العليا هي مفسرة الدين والتقوى.

لا شك أن الحب المقدس للوطن هو أسمى صورة للشعور بالتقوى يستطيع إنسان أن يظهرها، فلو زالت الدولة لكان معنى ذلك زوال كل شيء خير، وضياع الأمن في كل مكان، ولانتشر الرعب والفسوق، وعم الفزع في كل مكان، ويترتب على ذلك أولا أن حب الجار لا بد أن يكون فسوقا إذا أدى إلى الإضرار بالدولة، وأن الفعل الفاسق يكتسب، بعكس ذلك، طابع التقوى لو كان يؤدي إلى المحافظة على الدولة. فلنفترض أن أحدا قد هاجمني وأراد أن ينتزع مني ردائي، فعندئذ يقضي الإحسان بأن أعطيه إياه، بل وأعطيه معطفي أيضا، ولكن حين يحكم المرء على هذا الفعل بأنه خطر على بقاء الدولة، يصبح من التقوى أن أقدم السارق للعدالة، حتى ولو كان معرضا للحكم عليه بالموت. ألم يحظ مانليوس توركواتوس

6

بإعجاب الناس، لأنه فضل مصلحة الشعب على حبه لابنه؟ وهذا يدل على أن مصلحة الشعب هي القانون الأسمى الذي ينبغي أن تخضع له كل التشريعات الإنسانية والإلهية! ولما كان من واجب السلطة العليا وحدها أن تحدد ما تقتضيه مصلحة الشعب وسلامة الدولة وأن تتخذ الإجراءات التي تراها ضرورية لذلك، فإن هذه السلطة نفسها هي التي يقع على عاتقها تحديد الأفعال التي يعبر بها الأفراد عن الإحسان للجار أعني الأفعال التي يطيعون بها الله.

ومن ذلك يتضح لنا؛ أولا: بأي معنى تكون السلطات العليا الحاكمة هي مفسرة الدين بالنسبة إلى شعوبها. وثانيا: أنه لا يمكن لأحد أن يطيع الله حقا إلا إذا اتفق سلوكه الديني مع المصلحة العامة، وأطاع جميع قرارات السلطة العليا؛ ذلك لأنه لما كان علينا جميعا، بموجب الأمر الإلهي، معاملة الناس جميعا بلا استثناء بالإحسان دون إضرار أي شخص، لم يكن من واجب أحد مساعدة فرد آخر لو أدى ذلك إلى ضرر فرد ثالث، وبالأحرى لو أدى ذلك إلى ضرر الدولة كلها. وبالتالي لا يمكن أن يقدم أحد الإحسان إلى الجار، تنفيذا للأمر الإلهي، إلا إذا كان سلوكه في مجال الدين والتقوى متفقا مع المصلحة العامة، على أنه لا يمكن لأحد أن يعرف المصلحة العامة إلا بناء على قرارات السلطة الحاكمة التي هي وحدها المسئولة عن تصريف الشئون العامة، وإذن فلا يستطيع أحد أن يمارس الإيمان الصادق أو أن يطيع الله إلا إذا أطاع قرارات السلطة الحاكمة. وهذا ما تؤكده الحياة العملية نفسها، فإذا ما حكم على فرد ما، مواطنا كان أو أجنبيا، فردا عاديا من الشعب أو رئيسا لدولة أخرى؛ إذا حكم عليه بأنه مذنب في جريمة يعاقب عليها بالإعدام، أو أعلنت السلطة الحاكمة أنه عدو لها، فعندئذ لا يحق لأحد من رعايا هذه السلطة مساعدته. وعلى ذلك، فبرغم أن العبرانيين كانت لديهم سنة تقضي بأن يحب كل فرد جاره كحبه لنفسه (انظر الأحبار، 19: 17-18)

7

فقد كانوا ملزمين بتقديم كل من يناقض فعله أحكام الشريعة للمحاكمة (انظر: الأحبار، 5: 1؛ التثنية، 13: 8-9)

8

وبالحكم على المتهم بالموت لو ثبتت عليه جريمة عظمى. ثانيا، كان على العبرانيين قبل كل شيء أن يحافظوا على الحرية التي حصلوا عليها ويستمروا في امتلاك الأراضي التي احتلوها. ولتحقيق هذا الغرض كان لا بد لهم أن يوفقوا بين دينهم وبين الظروف الخاصة لدولتهم (كما بينا في الفصل السابع عشر)، وأن يؤكدوا انفصالهم عن الشعوب الأخرى. ومن هنا كانت القاعدة هي: أحب جارك واكره عدوك (انظر متى، 5: 43).

9

Halaman tidak diketahui