Risalah dalam Teologi dan Politik
رسالة في اللاهوت والسياسة
Genre-genre
وإذن فليس لليهود الآن ما يعزونه لأنفسهم مما هو خليق بأن يضعهم فوق سائر الأمم.
56
أما عن حياتهم الطويلة كأمة ضاعت دولتها، فليس فيها ما يدعو إلى الدهشة؛ إذ إن اليهود قد عاشوا بمعزل عن جميع الأمم حتى جلبوا على أنفسهم كراهية الجميع، ولم يكن ذلك عن طريق مراعاة الطقوس الخارجية التي تعارض طقوس الأمم الأخرى فحسب، بل أيضا عن طريق علامة الختان التي ظلوا متمسكين بها دينيا. وقد أثبتت التجربة أن كراهية الأمم عامل قوي إلى أبعد حد في الإبقاء على اليهود،
57
فعندما أجبر أحد ملوك الإسبان اليهود على الإيمان بدين الدولة أو الخروج من إسبانيا اعتنق كثير منهم الديانة الكاثوليكية الرومانية. ولما كانوا قد شاركوا نتيجة لذلك في جميع امتيازات الإسبان، وأصبحوا يعدون جديرين بالتكريم نفسه الذي يناله هؤلاء، فقد اختلطوا بالإسبان إلى حد لم يبق منهم معه بعد وقت قصير شيء حتى الذكرى. وقد حدث عكس ذلك تماما مع أولئك الذين أجبرهم ملك البرتغال على تغيير دينهم، فقد عاشوا منعزلين بعد استبعادهم من جميع المناصب العليا. وأنا أعزو إلى طقس الختان بدوره من القيمة والأهمية في هذا الصدد ما يجعلني أعتقد أنه وحده يستطيع أن يضمن لهذه الأمة اليهودية وجودا أزليا. فإذا لم تضعف مبادئ دينهم ذاتها قلوبهم، فإني أعتقد بلا أدنى تحفظ، عالما بتقلبات الأمور الإنسانية، بأن اليهود سيعيدون بناء إمبراطوريتهم في وقت ما، وأن الله سيختارهم من جديد.
58
وإننا لنجد مثلا رائعا عند الصينيين للأهمية التي يمكن أن تكون لهم صفة مميزة كالختان؛ إذ يحتفظ الصينيون بدورهم بخصلة من الشعر على شكل ذيل فوق الرأس ليتميزوا بها عن سائر الناس، وبذلك أبقوا على أنفسهم عبر آلاف من السنين، تجاوزوا في القدم الأمم بكثير. صحيح أنهم لم يبقوا على إمبراطوريتهم دون فترات انقطاع، ولكنهم كانوا دائما يعيدون بناءها عندما تنهار، وسيقيمونها من جديد حتما عندما يضعف التتار بسبب الحياة الناعمة المترفة. وأخيرا، فلو شاء أحد أن يتمسك بأن اليهود قد تم اختيارهم من الله إلى الأبد لهذا السبب أو ذاك، فإني لن أعارض في ذلك، بشرط أن يكون مفهوما أن اختيارهم الزمني أو الأبدي، بقدر ما هو وقف عليهم، يتعلق فقط بالدولة وبالمزايا المادية (إذ لا يوجد أي فرق غير ذلك بين أمة وأخرى). أما بالنسبة إلى الذهن وإلى الفضيلة الحقة فلم تخلق أمة متميزة عن الأخرى في هذا الصدد ؛ وعلى ذلك فلم يختر الله أمة بعينها، مفضلا إياها في هذه الناحية على الأمم الأخرى.
الفصل الرابع
القانون الإلهي
يطلق لفظ القانون مأخوذا بمعناه المطلق، على كل حالة يخضع فيها الأفراد منظورا إليهم كل على حدة؛ سواء أكان الأمر متعلقا بمجموع الموجودات أو ببعض الموجودات المنتمية إلى النوع نفسه - لقاعدة سلوك واحدة محددة. ويتوقف القانون إما على ضرورة طبيعية وإما على قرار إنساني، فالقانون يكون معتمدا على ضرورة طبيعية عندما يصدر بالضرورة من طبيعة الشيء ذاتها أو من تعريفه، ويكون معتمدا على القرار الإنساني - ويسمى عندئذ بالأحرى قاعدة تشريعية - عندما يفرضه البشر على أنفسهم وعلى الآخرين ليجعلوا الحياة أكثر أمنا وأكثر يسرا، أو لأسباب أخرى. فالقول مثلا بأن جميع الأجسام عندما تصطدم بأجسام أخرى أصغر منها تفقد من حركتها بمقدار ما تعطي، هو قانون شامل لجميع الأجسام، يصدر بضرورة طبيعية، وبالمثل فإن القول بأن الإنسان عندما يتذكر شيئا يتذكر معه على الفور شيئا مشابها، أو شيئا أدركه في الوقت نفسه الذي أدرك فيه الشيء الأول، هو بدوره قانون ينتج ضرورة من الطبيعة الإنسانية. وعلى العكس من ذلك، فإن الناس عندما يتركون أو يرغمون على ترك شيء من الحق
Halaman tidak diketahui