Risalah-risalah Ikhwān aṣ-Ṣafā’ dan Sahabat-sahabat Kesetiaan
رسائل اخوان الصفاء و خلان الوفاء
Genre-genre
واعلم يا أخي بأن الإنسان مطبوع على استعمال القياس منذ الصبا كما هو مجبول على استعمال الحواس، وذلك أن الطفل إذا ترعرع واستوى وأخذ يتأمل المحسوسات ونظر إلى والديه وعرفهما حسا وميز بينهما وبين نفسه؛ أخذ عند ذلك باستعمال الظنون والتوهم والتخمين، فإذا رأى صبيا مثله وتأمله علم عند ذلك أن له والدين وإن لم يرهما حسا قياسا على نفسه، وهذا قياس صحيح لا خطأ فيه؛ لأنه استدلال بمشاهدة المعلول على إثبات العلة.
فإن كان له إخوة - وقد عرفهم بالحس - أخذ عند ذلك أيضا بالتوهم والظن والتخمين، بأن لذلك الصبي أيضا إخوة قياسا على نفسه، وهذا القياس يدخله الخطأ والصواب؛ لأنه استدلال بمشاهدة المعلول على إثبات أبناء جنسه، لا على إثبات علته.
وهكذا أيضا كلما رأى هذا الصبي امرأة ورجلا ظن وتوهم أن لهما ولدا وإن لم ير ولدهما قياسا على حكم والديه، وربما صدق هذا القياس حكمه وربما كذب؛ لأنه استدلال بمشاهدة أبناء جنس العلة على إثبات معلولاتها، وعلى هذا المثال يقيس الإنسان من الصبا كلما وجد حالا أو سببا لنفسه أو لأبويه أو لإخوته، ظن مثل ذلك وتوهم لسائر الصبيان ولآبائهم وإخوتهم قياسا على نفسه وأبويه وإخوته، حتى إنه كلما أصابه جوع أو عطش أو عري أو وجد حرا أو بردا أو أكل طعاما فاستلذه أو شرب شرابا فاستطابه، أو لبس لباسا فاستحسنه أو حزن على شيء فاته أو فرح بشيء وجده؛ ظن عندما يصيبه من هذه الأحوال شيء أن قد أصاب سائر الصبيان - الذين هم أبناء جنسه - مثل ذلك.
وعلى هذا المثال تجري سائر ظنونه وتوهمه في أحكام المحسوسات حتى ربما كان في دار والديه دابة أو متاع أو أثاث أو بئر ماؤها مالح؛ ظن وتوهم أن سائر دور الصبيان مثل ذلك حتى إذا بلغ وعقل وتفحص الأمور المحسوسة واعتبر أحوال الأشخاص الموجودة؛ عرف عند ذلك حقائق ما كان يظن ويتوهم في أيام الصبى، واستبان له شيء بعد شيء صوابا كان ظنه أو خطأ.
(6) فصل في بيان طريق الخطأ عند العقلاء وخطأ القياس عند الفلاسفة
واعلم يا أخي بأن على هذا المثال يجري سائر أحكام العقلاء وظنونهم وتوهمهم في الأشياء قبل البحث والكشف؛ وذلك أن أكثر الناس إذا رأوا في بلدهم ريحا أو مطرا أو حرا أو بردا أو ليلا أو نهارا أو شتاء أو صيفا؛ ظنوا وتوهموا بأن ذلك موجود في سائر البلدان قياسا على ما يجدون في بلدهم كما كانوا يظنون وهم صبيان في سائر بيوت الناس مثل ما كانوا يجدون في بيوت آبائهم حتى استبان لهم بعد التجربة حقيقة ما كانوا يتوهمون كما بينا قبل، فهكذا يجري حكم العقلاء من الناس في ظنونهم وتوهمهم في مثل هذه الأشياء التي تقدم ذكرها حتى إذا نظروا في العلوم الرياضية، وخاصة علم الهيئة استبان لهم عند ذلك حقيقة ما كانوا يظنون ويتوهمون صوابا كان أو خطأ.
واعلم يا أخي بأن الإنسان لا ينفك من هذه الظنون والأوهام، لا العقلاء المتيقنون ولا العلماء المرتاضون، ولا الحكماء المتفلسفون أيضا؛ وذلك أنا نجد كثيرا ممن يتعاطى الفلسفة والمعقولات والبراهين يظنون ويتوهمون أن الأرض في موضعها الخاص بها هي ثقيلة أيضا قياسا على ما وجدوا من ثقل أجزائها، أي جزء كان، فإذا كان هذا هكذا، فغير مأمون أن تكون سائر القياسات تجري هذا المجرى، وفي هذا ما يدل على ضعف القياس وفساده ودلالته، وهكذا يظن كثير منهم من يكون في مقابلة بلدهم من جانب الأرض أن قيامهم يكون منكوسا؛ قياسا على ما يجدون من حال من يكون واقفا تحت سطح وآخر هو قائم فوقه رجلاه في مقابلة رجليه.
وهكذا يظن كثير منهم أن خارج العالم فضاء بلا نهاية إما ملاء وإما خلاء؛ قياسا على ما يجدون من خارج دورهم من أماكن أخر وخارج بلدهم بلدانا أخر، وخارج عالمهم عالم الأفلاك، وهكذا يظنون أن الباري - عز وجل - خلق العالم في مكان وزمان قياسا على ما يجدون من أفعالهم وصنائعهم في مكان وزمان، ولهذه العلة ظن كثير منهم أن الباري - جل جلاله - جسم قياسا على ما شاهدوا؛ إذ لم يجدوا فاعلا إلا جسما ووجدوا الباري فاعلا وإذا ارتاضوا في العلوم الإلهية استبان لهم أن الأمر بخلاف ذلك - كما بينا في الرسالة الإلهية.
واعلم يا أخي بأن الإنسان لا يرتقي في درجات العلوم والمعارف رتبة إلا وتسنح له أمور يكون علمه بها قبل البيان والكشف كظنونه بالأشياء المحسوسات قبل معرفة حقائقها وهو طفل - كما بينا قبل.
(7) فصل في معقولات الحواس ونتائجها
Halaman tidak diketahui