ولو أننا نكتفي بهذا الموقف؛ موقف المتفرج بشهور الصراع بين المتجمع لغزو وطننا وبين مدافعة عن هذا الوطن ، لو أننا نقف هذا الموقف فحسب، لهان الخطب بعض الشيء، ولنا في المستضعفين في رقاع الأرض بعض الأسوة ولكننا لا نفتأ في نهارنا وليلنا نتشادق بدعوى الكرامة، ونتغنى بما أصبنا من الاستقلال والحرية!
فإذا أضفنا إلى هذا تلك الأناشيد الحماسية التي بني أكثرها من لفظ بارد، وجرى في تلحين فاتر، تتكثر فيها أصوات المنشدين وتسترخي وتتزايل تزايلا ينبو عنه أصلب راقص مخناث، هذه الأناشيد التي تصبحنا وتمسينا كل يوم مرات ومرات، تدعونا إلى تقلد السلاح والهرولة إلى الصراع والكفاح، إذا أضفنا هذا إلى هذا، كان شأننا في هذه الدنيا عجبا!
وبعد، فلست أشك في أنه ما بعث أولئك الداعين إلى الحرب المستنفرين أبناء وطنهم للقتال، إلا الشعور القوي بأن هذا الموقف لا يليق بالرجال، ولا يتسق لهذه الدعوى العريضة في الحرية والاستقلال!
هي - فيما أرى - دعاية قد سمت على كل اعتبار، دعوى أثارها مجرد الشعور بالكرامة، والحر إذا أحس أن كرامته قد خمشت، أو أنها معرضة لأن تخمش هب للصراع دونها، ما يتربص لتفكير ولا تدبير ولا يدير الذهن في فرض أو احتمال، ولا ينتظر ما يخرجه له القياس من نتيجة الصراع والقتال:
إذا هم ألقى بين عينيه عزمه
ونكب عن ذكر العواقب جانبا!
وإذا كانت الدعوة إلى دخول مصر في الحرب من غير إبطاء هي المثل الأعلى للحفاظ للكرامة الوطنية، فإن من الخير أن نجرد صدرا من همنا لدرس المسألة من الجهة العملية.
وقبل أن أعرض لما سقت له هذا الحديث؛ أقرر أن مصر لن تعبأ بما عسى أن يجول في وهم واهم من أن إيطاليا إذا غزتها - لا أذن الله - فإنها لا تغزوها كيدا لها أو طمعا فيها، ولكن قهرا للإنجليز!
وإنه لوهم سخيف وضيع! فالغزو هو الغزو، وإذا اختلفت الأسباب ولو قدرنا أن إنجلترا أجلت عسكرها عن مصر، ونحت أساطيلها عن مياهها، ما أعوزت الطليان الحجة في المبادرة إلى احتلالها، ولو بدعوى التمكن من قناة السويس؛ لتسد في وجه الإنجليز الطريق!
وهل من الحزم أن أقف مكتوف اليدين؛ لأنني لست المقصود بالحجارة التي أرشق بها، إذ المقصود بها غيري من الناس؟
Halaman tidak diketahui