ثالثا: أن العلة غير ملازمة، فقد يوجد في غير ذلك النسب من يغلب على الظن انقياد الناس له انقيادا أبلغ من انقيادهم لذي النسب المذكور، فيجب العدول إليه، وذلك إما لكثرة ماله أو رجاله أو سعة صدره أو ظهور نسكه، ولا مانع من ذلك، فقد انقاد الناس لمعاوية دون علي بن أبي طالب لأمور دعتهم إلى ذلك مع عدم مساواة معاوية له ولا مداناة له في شيء من شرف النسب وسائر خصال الفضل والكمال. كما انقاد الناس لحكم المماليك في مصر، ولحكم العجم من الأتراك.
رابعا: أن ذلك يعارض ما جاء به الإسلام من المساواة ومن نزع العصبية وتسييد فئة معينة على سائر المسلمين.
خامسا: أنه إذا كان الأمر كذلك فإن عليهم أن يسلموا لدعوى بني عبد مناف الاختصاص بالخلافة دون سائر قريش، وعلى بني عبد مناف التسليم لبني هاشم دعوى الاختصاص بها دونهم؛ لأنهم بتلك المقاييس خيرة الخير وذوي الشوكة والنفوذ.
وهذا ما أحرج مشترطي القرشية وجعلهم يقدمون بعض التبريرات، فذكر السيد محمد رشيد رضا أنهم إنما لم يشترط كونه هاشميا لوجهين:
أحدهما: أن لا يقع الناس في الشك فيقولوا: إنما أراد أن يوطد ملكا لأهل بيته كسائر الملوك، فيكون سببا للارتداد، ولهذه العلة لم يعط النبي صلى الله عليه وسلم مفاتيح الكعبة للعباس بن عبد المطلب.
والثاني: أن المهم في الخلافة رضاء الناس به واجتماعهم عليه وتوقيرهم إياه وأن يقيم الحدود ويناضل دون الملة وينفذ الأحكام واجتماع هذه الأمور لا يكون إلا في واحد بعد واحد، وفي اشتراط أن يكون من قبيلة خاصة تضييق وحرج، فربما لم يكن في هذه القبيلة من تجتمع فيه الشروط وكان في غيرها(1).
وهذه مبررات وجيهة كما ترى، وهي في نفس الوقت حجة عليهم؛ لأنه يقال لمشترط القرشية نفس القول الذي قالوه لمشترط الهاشمية.
Halaman 64