فإذا ثبت أن اشتراط القرشية إنما هو لدفع التنازع بما كان لهم من العصبية والغلب، وعلمنا أن الشارع لا يخص الأحكام بجيل ولا عصر ولا أمة، علمنا أن ذلك إنما هو من الكفاية، فرددناه إليها، وطردنا العلة المشتملة على المقصود من القرشية، وهي وجود العصبية فاشترطنا في القائم بأمور المسلمين أن يكون من قوم أولي عصبية قوية غالبة على من معها لعصرها، ليستتبعوا من سواهم، وتجتمع الكلمة على حسن الحماية ، ولا يعلم ذلك في الأقطار والآفاق كما كان في القرشية، إذ الدعوة الإسلامية التي كانت لهم كانت عامة، وعصبية العرب كانت وافية بها، فغلبوا سائر الأمم، وإنما يخص لهذا العهد كل قطر بمن تكون له فيه العصبية الغالبة .
وإذا نظرت سر الله في الخلافة لم تعد هذا؛ لأنه سبحانه إنما جعل الخليفة نائبا عنه في القيام بأمور عباده، ليحملهم على مصالحهم ويردهم عن مضارهم، وهو مخاطب بذلك، ولا يخاطب بالأمر إلا من له قدرة عليه »(1).
وهذا الكلام لا يتجاوز كونه تبريرا لما حدث من احتكار الخلافة من قبل قريش باسم الدين، موع ذلك لا تقوم به حجة ويصلح كونه دليلا من عدة وجوه:
أولا: أن الإمامة شرعية وأدلتها وطرقها لا تعلم إلا من جهة الشرع، وهذه كما ترى قضية اعتبارية عقلية.
ثانيا: أن ما ذكر على فرض صحته لا يدل على أكثر من الأولوية، وبالتالي ليس شرطا من شروط الخليفة، لأن الشرط ما يلزم من وجوده الصحة ومن عدمه البطلان.
Halaman 63