Kisah Falsafah Yunani
قصة الفلسفة اليونانية
Genre-genre
كلا! لا يمكن أن يكون الماء أصلا للوجود، فمهما بلغ الماء من المرونة وقابلية التشكل، فهو ذو صفات معروفة معينة تستطيع أن تميزه بها عن المواد الأخرى، ومعنى ذلك أن ثمت صفات تناقض صفات الماء؛ (لأنك لا تدرك الصفة إلا إذا أدركت نقيضها، فلا تفهم الحرارة إلا إذا اقترنت في ذهنك بالبرودة، فإذا انعدم هذا التقابل انعدمت كذلك الخصائص والصفات)، وما دام الأمر كذلك، فلا يعقل أن تكون المخلوقات جميعا على تناقض صفاتها مشتقة من أصل واحد ذي صفة معينة معروفة، إنما أصل الكون مادة لا شكل لها، ولا نهاية ولا حدود.
هكذا قال أنكسمندر ثاني فلاسفة المدرسة اليونية، والذي يقال عنه: إنه كان تلميذا لطاليس لأنه عاصره وعاش معه في ملطية، وكان واسع العلم بالجغرافيا والفلك، وربما كان أول فيلسوف يوناني كتب رسائل في الفلسفة، ولكنها فقدت، وقوله هذا الذي أشرنا إليه مردود عليه؛ لأنه لا يمكن كذلك أن تنشأ الأشياء كلها ولها هذه الصفات المختلفة من مادة لا شكل لها، وإلا فمن أين جاءت صفات الحديد والنحاس والخشب وما إلى ذلك وهي مختلفة كل الاختلاف مع أنها اشتقت جميعا من مادة واحدة لا تميزها صفات كما يقول؟
كذلك لم يستطيع أنكسمندر أن يوضح في جلاء كيف تكون العالم - أو العوالم المتعددة كما كان يعتقد - من تلك المادة التي يحدثنا عنها، وكل ما تظفر به منه شرح غامض لا تكاد تتبين منه صورة جلية، ولكنه قدم لنا رأيا في نشأة الحياة وتطورها فوق الأرض لعله قريب جدا مما وصل إليه العلم الحديث في أواخر القرن الماضي، فقد كان يرى أن الأرض كانت سائلا ثم أخذت تتجمد شيئا فشيئا، وفي خلال ذلك كانت تنصب فوق الأرض حرارة لافحة تبخر من سائلها بخارا يتصاعد ويكون طبقات الهواء، فهذه الحرارة عندما التقت ببرودة الأرض كونت الكائنات الحية، وقد كانت تلك الكائنات أول أمرها منحطة، ثم سارت في طريق التطور إلى درجات أعلى فأعلى بما فطر فيها من دافع غريزي يدفعها إلى الملاءمة بين أنفسها والبيئة الخارجية. إذن فقد كان الإنسان في أول مراحل حياته سمكة تعيش في الماء، فلما انحسر الماء بفعل التبخر اضطرت الأسماك المختلفة إلى الملاءمة بينها وبين البيئة، فانقبلت زعانفها على مر الزمان أعضاء صالحة للحركة على الأرض اليابسة، وهي ما ترى من أرجل وأيد، ولعلك مدرك في سهولة ما بين هذا الرأي ونظرية «دارون» من شبه. (3) أنكسمينس
Anaximenes
588ق.م-524ق.م (تقريبا)
إذا كان الماء الذي فرضه طاليس أصلا للكون لم يصادف من العقل اطمئنانا؛ لأنه ليس من الشمول بحيث يسع الكون بأسره، وإذا كانت مادة أنكسمندر التي ليس لها شكل ولا حدود لم تسلم من النقد، فقد نهض أنكسمينس واختار مادة ثالثة فيها الشمول الذي ينقص الماء ، وفيها الصفات التي تعوز مادة أنكسمندر: ألا وهي الهواء، فهو ذو صفات معروفة لا تنكر، وهو في نفس الوقت يشيع في كل أنحاء الوجود، يغلف الأرض ويملأ في نظره جوانب السماء، بل ويتغلغل في الأشياء والأحياء مهما دقت، أليست الحياة في صميمها أنفاسا من الهواء تتردد في الصدر شهيقا وزفيرا؟ إذن فهي الجوهر الأول الذي صدرت عنه جميع الكائنات، يتكاثف حينا فيكون شيئا، ويتخلخل حينا فيكون شيئا آخر، والهواء إذا أمعن في تخلخله انقلب نارا، فإذا ارتفعت كونت الشموس والأقمار، وإذا هو أمعن في التكاثف انقلب سحابا، ثم أنزل السحاب ماء، ثم تجمد الماء فإذا هو تربة وصخور، هذا وليست الأرض إلا قرصا مسطوحا يسبح في الهواء.
وقد يظن الباحث للوهلة الأولى أن أنكسمينس قد انحط بالفلسفة عن المستوى الذي كان قد بلغه أنكسمندر؛ ذلك لأنه عاد إلى موقف طاليس، بفرضه أن العنصر الأول الذي نشأ منه الكون كان مادة معينة محدودة، ولكن مهما قيل في هذا فلا شك في أن أنكسمينس قد تقدم بالفلسفة خطوة إلى الأمام بعد أنكسمندر؛ إذ كان هذا الأخير مهوشا غامضا حين أراد أن يبين كيف تخرج المادة التي لا شكل لها هذه الأشياء التي تراها، أما أنكسمينس فيعلل تنوع الأشياء بالتخلخل والتكاثف، ولو أنا أخذنا بنظرية هؤلاء الفلاسفة القدماء من أن أنواع المادة على تعددها واختلاف ألوانها إنما نشأت في الأصل من نوع واحد لاعترضتنا مشكلة عسيرة، هي هذا الاختلاف الذي نراه في صفات العناصر الموجودة بيننا، فمثلا لو كانت هذه الورقة مكونة حقيقة من هواء، فبم نعلل لونها وسائر صفاتها؟ إما أن تكون هذه الصفات موجودة في أول الأمر في المادة الأصلية أولا، فإن كانت موجودة فيها نتج أن المادة الأولى لم تكن مادة واحدة متجانسة كالهواء، ولا بد أنها كانت مزيجا من أنواع مختلفة من المادة، وإن كانت غير موجودة فيها فكيف نشأت للأشياء خواصها؟ كيف تخرج من الهواء تلك الصفات التي نراها في الأشياء مع أنها ليست فيه؟ لعل أيسر سبيل للتخلص من هذه المشكلة هي أن نبني الكيف على أساس الكم، فنعلل الأول بالثاني، بمعنى أن صفة الشيء نتيجة كمية المادة التي تشغل الحيز، وذلك ما قصد إليه أنكسمينس بالتخلخل والتكاثف.
الفصل الثاني
الفيثاغوريون
The Phthagoreans
Halaman tidak diketahui