وجلس يوما بجوار المريض على سريره يطمئنه، فنظرت إليه سوسن نظرة، فيها الأسى والألم، وكأنما تقول في نفسها: أيكون هذا الرجل الذي يكبر زوجي ويكاد يكون في سن والدي ممتلئا صحة ونشاطا، وتذبل نضارة هذا الزوج الشاب العزيز، فما يدري أحد ما مصيره؟! لشد ما يخفى الغيب علينا، فلم يدر قط بخلدي يوم خطبني مرزوق فرفضت خطبته لفارق السن بيني وبينه، أن أرى المنظر الذي أراه الساعة، والذي يفتت قلبي لوعة وهما.
وبعد أشهر قضاها المريض بالمستشفى، أدركت سوسن من نظرات الأطباء الذين كانوا يعودونه، أنه موف على أجله. وفي منتصف الليل من ذلك اليوم، اختاره الله إلى جواره.
وحزنت سوسن عليه أشد الحزن، وانقطعت من يومئذ عن كل مجتمع وكل حفلة، وهي لا تزال تلبس السواد عليه إلى اليوم. أما الدكتور مرزوق، فلا يزال متمتعا بصحته ونشاطه، ولا تزال جنان حريصة على أن تصبغ شعرها، وتستعين بكل وسائل الطب والتجميل لتحتفظ ببقية من جمال يوشك أن يولي، ولتحتفظ بالدكتور مرزوق، وبحيويته ونشاطه.
ولله في خلقه شئون!
بأعمالكم تؤجرون
كان رب الأسرة من أعيان قرية في مصر الوسطى، وقد أنجب ست بنات، ولم ينجب لهن أخا، ثم توفي في بواكير كهولته تاركا لأرملته وبناته ثروة معقولة. وكان ثلاث من بناته قد تزوجن في حياته وبقي ثلاث ينتظرن الزواج.
وكانت «زهرة» صغراهن أرقهن طبعا، وأكثرهن خفرا، وأملحهن وجها، وهي بعد في الثالثة عشرة. وطبيعي ألا يدور بخاطرها تفكير في الزواج قبل أن تتزوج أختاها اللتان تكبرانها.
وكانت أمهن من بنات الأعيان في القرية، ولم تكن تفكر في الزواج بعد زوجها، فإذا ألمحت إحدى صاحباتها إلى شيء، قالت: الخير أن نتحدث عن زواج بناتي الثلاث!
وكان لهذه السيدة الأرمل، قريب يقيم بالإسكندرية، في شيء من سعة الرزق يستمتع به مع زوجته وبنيه. وبعد زمن جاء هذا القريب إلى القرية، ليحضر زفاف الكبرى من البنات الثلاث اللاتي لم يتزوجن في حياة أبيهن. فلما أزمع العود إلى الإسكندرية، قال لقريبته: إن زهرة لا تزال في بواكير صباها، فماذا عليك لو أخذتها إلى الإسكندرية، تعيش معنا، وتجد في حياة المدينة هناك ما يرفه عنها، وما يصقلها؟ إنها فتاة رقيقة حسنة الاستعداد، فحياتها في الإسكندرية تخلق منها شخصا آخر، تطمئنين له وتسعدين به.
وترددت الأم الأرمل، فألح عليها قريبها حتى قبلت، وسافرت الفتاة مع خالها إلى الثغر، وانضمت إلى أسرته فيه. ولم تضق بها زوجه، بل وجدت فيها معوانا على خدمة البيت، ووجدت فيها رغم حيائها ذكاء ومرحا يتفقان مع ذكائها هي ومرحها. فأبدلتها من ثوبها الريفي ثيابا حضرية أنيقة، وجعلت تصطحبها معها إلى الأسواق، لترى وتسمع وتتعلم حياة الحضر.
Halaman tidak diketahui