ومن سباياه صفية بنت حيي، فمر بلال بها وبامرأة أخرى على القتلى، فلما رأتهم المرأة التي مع صفية .. صاحت وصكّت وجهها وحثت التراب على رأسها، فقال ﷺ: «أغربوا عني هذه الشيطانة»، واصطفى صفية لنفسه، وقال لبلال: «انتزعت الرحمة منك يا بلال؛ تمر بامرأتين على قتلى رجالهما؟ !» (١).
ثم افتتح ﷺ حصن الصعب، ومنه شبع الجيش طعاما بعد مخمصة شديدة، ثم انتهى ﷺ إلى حصنهم الوطيح والسّلالم وهما آخر حصونها افتتاحا، وأوسعها أموالا، وأكثرها قتالا، فحاصرهم النبي ﷺ بضع عشرة ليلة (٢).
وروي: أنه ﷺ كانت به شقيقة، ولم يخرج إلى الناس، فأخذ الراية أبو بكر ﵁، فقاتل قتالا شديدا ولم يفتح عليه، ثم عمر كذلك، فقال ﷺ: «لأعطين الراية رجلا يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله»، فلما أصبح الناس .. غدوا إلى رسول الله ﷺ، كلّهم يرجو أن يعطاها، فقال ﷺ: «أين علي بن أبي طالب؟»، فقالوا:
يا رسول الله؛ هو يشتكي عينيه، قال: «فأرسلوا إليه» وكان قد تخلف عن رسول الله ﷺ بخيبر، وكان به رمد، فقال: أنا أتخلف عن رسول الله ﷺ؟ ! فخرج إلى خيبر، فأصبح بها صبيحة شوال ﵁ كما قاله الراوي؛ فإذا نحن بعلي وما نرجوه، فبصق ﷺ في عينيه ودعا له وأعطاه الراية، فلما وافى من حصنهم .. أشرف عليه يهودي، فقال له: من أنت؟ قال: علي بن أبي طالب، قال: علوتم وما أنزل على موسى؛ فخرج مرحب يرتجز بهذا الرجز:
قد علمت خيبر أني مرحب ... شاكي السلاح بطل مجرب
إذا الحروب أقبلت تلهّب
فبارزه عامر بن الأكوع عم سلمة بن عمرو بن الأكوع، فرجع سيف عامر عليه فقتله، فقال ﷺ: «إن له لأجرين»، ثم خرج مرحب أيضا يرتجز، فبرز له علي وهو يقول: