قال عبد القادر الكيلاني في الحلاج: «كان بازيا من بزاة الملك ... فلم يجد في السماء ما يحاول من الصيد ... فطلب في الأرض ما هو أعز من وجود النار في قعور البحار. تلفت بعين عقله فما شاهد سوى الآثار. فكر فلم يجد في الدارين مطلوبا سوى محبوبه، فطرب فقال بلسان سكر نفسه: أنا الحق ترنم بلحن غير معهود من البشر. صفر في روضة الوجود صفيرا لا يليق ببني آدم. لحن بصوته لحنا عرضه لحتفه.»
كان الحلاج مثل عبد القادر فارسي الأصل، ولد في تل بيضا القريبة من شيراز، وجاء إلى العراق فقضى معظم سكرته الإلهية ببغداد. وهو حقا من أعظم السالكين، وأصدق المتصوفين، بل هو أشهر من ابتلوا بالعشق، وتلذذوا بالبلايا، هو «صاحب الخرقة، شطاح العراق، رئيس السكارى والعشاق.»
ولكن جنيد أنكر ذلك، فقد قال مرة للحلاج: «فتحت ثغرة في الإسلام لا يسدها إلا رأسك.» ما لنا والثلمة. أما الرأس فقد طاح، وبالتوحيد صاح. وما تبقى من صاحبه هو مدفون تحت قبة في جوار خصمه الأكبر. وما جنيد وبهلول ومعروف الكرخي إذا ما ذكر الحلاج؟ فهو للسالكين في الشرق وفي الغرب النور الأنور، والعلم الأشهر.
تفكرت في الأديان جد تحقق
فألفيتها أصلا له شعبا جما
فلا تطلبن للمرء دينا فإنه
يصد عن الأصل الوثيق وإنما
يطالبه أصل يعبر عنده
جميع المعالي والمعاني فيفهما
وله في ديوانه غيرها من الحكم الإلهية التي تبدو كفرا في ظاهرها، أو هي من الكفر المبطن بالإيمان . غير أن الذي أوجب الحكم عليه بالإعدام هو قوله: «أنا الحق.» وقد أطلعتك على ما قاله عبد القادر الكيلاني في شرح الحال التي أدت بالحلاج إلى أن ينطق بهذه الكلمة.
Halaman tidak diketahui