الأقارب، وأتقى على أوليك المغارب، فعدل عن انتهاز فرصتهم، وإبراء غصتهم، إلى الاستراحة من تعبة، والإناخة على لهوه ولعبه، وتفرق أصحابه في ارتياد الفتيات، وطراد اللذات، فما أمسى إلا وقد غشيه ليلها، وسال عليه سيلها، وأصحابه بين صريع رحيق، ومنادى من مكان سحيق، فحاب سعيه، وبال رأيه، ونجا براس طمرة ولجام، وآوى إلى أحد المعاقل أعرى من الحسام، فحقد المعتضد عليه بتنفيسه لأهل القصبة، وأصاخته إلى تلك العصبة، وضربه بالعصي، ونكله تنكيل القصي، فكتب إليه: بسيط مجزوء
مولاي اشكو إليك داء ... أصبح قلبي به جريحا
سخطك قد زادني سقاما ... فابعث إلي الرضى مسيحا
فعفا عنه وصفح، وعبق له عرف رضاه ونفخ، وقد كان قبل كتب إليه حين أمره بالمقام بالموضع الذي نحا إليه مسجونا يسليه، ويعرض له بالبربر ويستعطفه مما حصل فيه: بسيط
سكن فؤادك لا تذهب به الفكر ... ماذا يعيد عليك البث والحذر
فإن يكن قدر قد عاق عن وطر ... فلا مرد لما يأتي به القدر
وإن تكن خيبة في الدهر واحدة ... فكم غزوت ومن أشياعك الظفر
يا فارسا تحذر الأبطال صولته ... صن حد عبدك فهو الصارم الذكر
قد أخلقتني صروف أنت تعلمها ... وغال مورد أمالي لها كدر
فالنفس جازعة والعين دامعة ... والصوت منخفض والطرف منكسر
قد حلت لونا وما بالجسم من سقم ... وشبت رأسا ولم يبلغني الكبر
لم يأت عبدك ذنبا يستحق به ... عتبا وهاهو قد ناداك يعتذر
ما الذنب إلا على قوم ذوي دغل ... وفي لهى عدلك المألوف إذ غدروا
قوم نصيحتهم غش وحبهم ... يغض ونفعهم أن صرفوا ضرر
يميز البغض في الألفاظ أن نطقوا ... ويعرف الحقد في الألحاظ أن نظروا
ولما بدت الفتنة وسال سيلها، وانسحب على بهجة الهدنة ذيلها، نازل المرابطون قرطبة وفيها ابنه المأمون وكان أشهر ملوك أوانه خيرا، وأيمنهم طيرا، وما اشتغل بمعاطاة المدامة، ولا توغل للعصيان شعب ندامة، فأقاموا عليها شهورا، وأرخوا من محاصرتها والتضييق عليها ستورا، يساورونها مساورة الأراقم، ويباكرونها
Halaman 19