وقال المسلمون: إن الله تعالى لم يجبر أحدا من خلقه، من المكلفين، ولا فوض إليهم الأمور. ويهملهم كل منهم يعمل ما يشاء. كيف يفوض إليهم الأمور، ويجعل لهم السبيل إلى ما يعملون هملا، وتركهم كذلك سدى. وهو يقول: { أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا } لأن العابث ليس بإله حكيم، أن يخلق خلقه عبثا أو يتركهم سدى هملا، يضر بعضهم بعضا. ويقتل بعضهم بعضا. ويأكل بعضهم بعضا. فهذا ليس من الحكمة. والله حكيم عليم، لا يفعل إلا الحكمة. فلوا فوض إليهم الأمور، لم يعذب منهم أحدا، لأنه تعالى كيف يعذب أحدا على فعل، قد فوض إليه فعل ذلك الفعل، وأذن له به تعالى الله عن ذلك.
وأما قول الله تعالى: { فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر } فليس في هذا تفويض الأمور إلى العباد. ولكنه تهديد من الله تعالى. ألا تراه يقول عقب ذلك: { إنا أعتدنا للظالمين نارا } .
يقول الله للعبا: قد بينت لكم سبيل ذلك، أي سبيل الهلاك. ووعدت وتوعدت. فمن شاء فليؤمن، عند ذلك، ومن شاء فليكفر. فلا حجة لكم بعد ذلك. وهذه الآية، وما كان مثلها، مثل قوله تعالى: { من شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر } . نسختهن الآية التي يقول فيها: { وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين } .
الباب التاسع والثمانون
في القضاء والقدر
والرد على القدرية
القضاء: على وجوه. قضى: خلق. وقضى: حكم. وقضى: أمر. وقضى: إخبار وإعلام. وقضى: علم. فقضاء الخلق: قوله تعالى: { فقضاهن سبع سموات في يومين } أي خلقهن تقول: قضيت الأمر: إذا فرغت منه. وقضاء الحكم: مثل قوله تعالى: { إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون } .
وقضاء الأمر: مثل قوله تعالى: { وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه } أي أمر بك.
وقضاء الخبر: مثل قوله تعالى: { وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب } أي أخبرناهم وأعلمناهم.
وقضاء العلم: بأن علم أن فعل المعاصي قبيح، والطاعة حسن. وقضاء الكتاب: كتب أن أهل المعاصي سيعصون.
Halaman 73