Kecenderungan Pemikiran Eropah Dalam Abad Kesembilan Belas
نزعة الفكر الأوروبي في القرن التاسع عشر
Genre-genre
7
على أننا إن كنا لا نزال نعيش مأخوذين بفتنة تلك الأشياء وأمثالها، وعلى أننا نعمل جهد ما نستطيع لنخلص من مؤثراتها النفسية، فإننا مع هذا يجب أن نسلم بأن ما في طبيعة الأشياء من صبغة الشعر والفلسفة والدين قد أخذت تفقد شيئا فشيئا تأثيرها في عالم العلم. إنها لا ترسم للبحث العلمي طريقا، ولا تفرض عليه أسلوبا من أساليبها. لقد أصبح العلم بلا حاجة لأن يستمد منها العون والمساعدة، ولكنا يجب أن نتساءل: هل خسر الطرفان بانبتات صلتهما شيئا ما؟ أما العلم ففي مستطاعه أن يفخر بأنه قد بلغ بذلك الانفصال درجة من الكمال الشكلي، ونال قسطا من التقدم والارتقاء عدمهما طوال القرون الأولى.
ليس ذلك وحده ما وصل إليه العلم من هذه الطريق؛ فإنه قد ربح شيئا لم يعهده خلال العصور القديمة والقرون الوسطى؛ ذلك الربح ينحصر فيما وقع من وجوه الارتباط بين العلم وبين أوجه الحياة العلمية. إن تلك الروح الرياضية التي حكمت بأمرها في أساليب العلم وقواعده، أصبحت كذلك حاكمة بأمرها في التجارة والتبادل والصناعة، وهي آخذة اليوم في التغلغل إلى المهن: كالطب والقانون والإدارة؛ لأن هذه الوظائف الاجتماعية قد أصبحت في العصر الحديث ذات آصرة وصلة بالأعداد والمقاييس والموازين، وبامتدادات الزمان والمكان، حيث أضحى من مقتضيات وجودها أن تلجأ إلى أساليب من الإحصاء والنسبة، وهي أشياء لن نستطيع بغيرها أن نحقق مخادعات الاقتناع الذاتي، أو نزعات الأفراد الفكرية، من طريق عملي.
كذلك لا يجب علينا أن نغفل عن أن المسائل المطلوب من العلم حلها، قد زادت وتكثرت بنسبة عظيمة، فإن كل تقدم يقع في العلم، إن أعطانا قوة جديدة نتسود بها على ظاهرة من الظاهرات في عالم الحياة؛ فإن كل نبأ يقع في عالم الحياة يخلق لنا أوجها جديدة من البحث العلمي تطالبنا الضرورة بفض مشكلاتها، فإن العلاقة بين العلم والحياة قد زادت خلال القرن التاسع عشر ترابطا واتصالا. وهذا أمر أبلغ ما كان أثرا في الموازنة بين الخطوات التي خطتها الأساليب العلمية الحديثة؛ فإن هذه الأساليب إن تركت لتمضي حرة من مؤثرات الحياة فيها، لأدت إلى أوجه من التخصص لا نهاية لها؛ لأن من خصائص المسائل العملية أنها لن تستقل عما يحيط بها، على العكس من الاختبارات العلمية؛ ذلك لأن المسائل العملية في الحقيقة تلزمنا ضرورة الانتباه إلى كثير من الظروف والحالات المحيطة بنا، وأن نلقي بنظرنا دائما على الحياة، لا في مفرداتها، بل في مجموعها، وأن ننظر في حاجاتها ومقتضياتها.
إذا فخر القرن التاسع عشر بأنه وضع أساليب إيجابية تامة احتذاها العلم، واتخذت في الحياة منارا وهديا، وأنه ضاعف من قيمة العلم، وزاد من خطر الحياة، فما زال أمامنا سؤال لا نجد لأنفسنا عذرا في إغفاله، نتساءل: ألم ينتج القرن التاسع عشر من نتاج يحافظ على تلك المثاليات القديمة التي ناء عليها الزمان شيئا من قيمتها: مثاليات الحقيقة والجمال والحكمة، تلك التي أخذت في القرون الأولى على أنها أساس الوحدة في العلم والحياة، وعلى أنها مبدأ الألفة المنبثة في تضاعيفهما؟ وماذا جرى على الفلسفة والفن والدين؟ وهي التي أمدتها المثالية الفكرية بكل عنايتها، وحملتها عبء القوامة على كثير في فروع المعرفة والعمليات، أن ينفرط عقد وحدتها، وتتصدع حزمتها، وحصرت فيها كل الأمل؛ لتنجي النوع البشري من خطر التطوح إلى إنكار أوجه الترابط وضروب التعاون الواقعة بين كل الحاجات الإنسانية؟
أما إذا كان قد ثبت في يقيني ومعتقدي، أن القرن التاسع عشر لم يكشف عن تصور أبعد خطرا من التصور القديم إزاء الوحدة التي تربط بين الحاجات الإنسانية، وإزاء الحياة الكامنة في الإنسان، وفي النوع البشري كله، لما فكرت ساعة واحدة في أن أمضي في إتمام مؤلفي هذا؛ لأن غايتي منه تنحصر في أن أكشف عن أوجه التعاون التي ربطت بين كثير من العوامل والبواعث خلال القرن التاسع عشر، في عالمي الفكر والعمل.
أريد أن أظهر به حقيقة ذلك الاعتقاد الحق، الذي يسوقنا إلى التيقن من أن كل المجهودات العقلية لا بد في أن تتحد معا؛ لتنتج الملكات المثالية التي خص بها النوع الإنساني، وتقوم حفيظة عليها. أود أن أثبت فيه أن ذلك الكنز المقدس لا يحتفظ بما فيه، ولا يزيد مستخزنه، مجهود فرد بعينه، أو متجه بذاته يتجه فيه الفكر، بل إن بقاءه ونماءه مقصوران على أن تتعاون الأفراد والأمم في حياتهم الشعوبية العامة المشتركة، على أن يصلوا به إلى تلك الغاية.
لقد دخل على اللغات خلال القرن التاسع عشر عدة من المصطلحات نحتها واضعو المذاهب الفلسفية؛ لتدل على تلك الوحدة الكائنة في صميم الحياة الكامنة للنوع البشري. استعمل «هيجل» كلمة
Geist ؛ أي فكر، واستعمل «كونت» كلمة
Humanity ؛ أي إنسانية، واستعمل «لودز» كلمة
Halaman tidak diketahui