Kecenderungan Pemikiran Eropah Dalam Abad Kesembilan Belas
نزعة الفكر الأوروبي في القرن التاسع عشر
Genre-genre
في الحياة الإنسانية باعثان ساعدا على تقدم النوع البشري من الوجهة العقلية، وغالبا ما ظهر هذان الباعثان بمظهر التضاد في طريقة عملهما وتأثيرهما، غير أن الحقيقة أن أحدهما لن يستطيع أن يحدث من حدث بالغ الأثر، قبل أن يمده الباعث الآخر بقوته، ويزكيه بعنصره، أما الباعثان: فانتشار المعرفة من جهة، وتكثفها من جهة أخرى. فالحيرة الفكرية، وحاجات الحياة العلمية، والتجاريب اليومية الواقعة بين ساعة وأخرى، كلها عوامل تبعث على اتساع دائرة المعارف الإنسانية، واستجماع موادها وعناصرها.
على أن نماء المعرفة وتشعب أطرافها ليصبح معدوم الجدوى إن لم تتنبه المشاعر لخطورة شأنه، ولا يغيب عنا أن لمطاليب المعرفة وضروراتها من الخطر والشأن ما لاستجماع المعرفة ذاتها، مثلنا في ذلك كمثل من يريد أن يستكشف إقليما ما؛ إذ كلما كانت النواحي التي نريد استكشافها أكبر مساحة، وأفرط سعة، زدنا بحثا عن المواضع التي تساعدنا على أن نبصر أكثر ما نستطيع من مناظر ذلك الإقليم التي تمتد إلى مرمى النظر أماما وخلفا.
غير أننا مهما تذرعنا بالحيطة واهتدينا بالحذر، فغالب ما تكون المناظر التي تقع تحت حسنا خداعة مضلة؛ ذلك لأنها تلزمنا غالبا أن نرجع بالنظر كرة ما استكشفنا من النواحي آنا فآنا؛ إذ تعطينا كلما تقدمنا إلى الأمام صورة أكثر وضوحا عن متعرجاتها ومفاوزها؛ وعن مواضع ما تحوي من الأشياء والأشباح، في حين أنها لا تلزمنا ذلك وحده، بل تبسط مع هذا لأنظارنا البقاع التي لم نستكشفها بعد، ومن ثم توحي إلينا، وتلقي في روعنا، ما يجعلنا نضرب بأقدامنا إلى الأمام، مسوقين برغبة الوصول إلى استكشافات أخرى، بما تزين لنا من أمل، وما تهيئ لنا من بواعث، تحملنا على أن نقدم في مخاطرتنا مأخوذين بمزجيات الرجاء للتحقق مما نبصر أمامنا إبصار غشاوة وكلال، قائسين كل هذا على تجارب الماضي، مدفوعين إليه بما تخلق قوتنا التصورية، وما يبدع الخيال والطبيعة الإنسانية في تلك الحال، حتى إن نجحنا في النزول إلى بسائط الأرض، ومضينا في بحثنا الاستكشافي على أدق نمط، لن تحررنا من الفكرات الثابتة في عقولنا ثبوتا أوليا. تلك الفكرات التي تكون قد طبعتها في عقولنا النظرات السطحية التي ألقيناها على ما وقع تحت حسنا بادئ ذي بدء، بيد أنها فكرات كثر ما تسوقنا إلى طريق الضلال.
أما تكثف المعرفة، وإن شئت فقل تركزها، فجائز أن ينقلب إلى نواحي مثالية من المعرفة، والتاريخ ينفحنا بأمثال كثيرة من خطى التقدم الإنساني، فطالما مر على الإنسانية قرون استجمع فيها أسوأ ما تستجمع العقول، وأضل ما تنبت الأفكار والأفهام، ولكن لتتبعها عصور للثقيف العقلي لم يلحق بها من أمثال الماضي مثال، أو ليبرز بعدها من موات العقول، وجدب الفكر، استكشاف حديث، أو اختراع رائع.
ولقد صدت المذاهب الخداعة والخيالات البعيدة عن الواقع تقدم المعرفة، وقعدت بهمة العاملين طويلا، في حين أن هذه الخيالات الخادعة لا تنزح عن عالم الفكر عادة إلا بعد عناء طويل، وجهود معنتة، كذلك فتحت الآمال في وجه الإنسان أبوابا للبحث، ومهدت له سبيل الدخول إلى نواح من المعرفة لم يألفها من قبل، وقادته إلى سماء من العلم لم يبلغها الإنسان إلا ليجد أن المعرفة الإنسانية قد تكثفت حول حقيقة بعينها، أو مضت ضاربة في المثالية إلى حد الخيال، غير أنه تمر أزمان في التاريخ يلوح لنا فيها أن تلك الثمار اليانعة، والمنتجات الطريفة، قد مضى بها النسيان، وذهب بها الإغفال، وتردت في ناحية من اليأس الناتج عن الجهل، أو غشاها من مغشيات القنوط ما يلقي في روعنا خطأ أنها ذهبت ذهابا لا عود بعده.
ليس من شأننا في هذا الموطن أن نبحث إن كان الفكر في القرن التاسع عشر قد تعاقبت عليه صور من تلك الطرائق المتباينة، بل نكتفي هنا بالقول بأن جهود الفكر خلال القرن التاسع عشر في كلا الاتجاهين: اتجاه نشر المعرفة واستجماع أسبابها، واتجاه تكثفها في بؤرة مثالية، كانت عظيمة، ظاهرة الأثر، بينة النتائج. أما في الاتجاه الأول فقد فاقت كل مثيلاتها مما ترويه بطون الكتب وصفحات التاريخ، في حين أنها في الاتجاه الثاني إن كانت لم تبلغ حد المثالية الإغريقية في عصر «بركليز»
، ولم تبز النهضة العلمية في إيطاليا رونقا وبهاء، ولم تفت من حيث الأثر والقيمة مستكشفات القرنين السادس عشر والسابع عشر في فرنسا وإنكلترا، فإنها قد أبرزت في صورة من المصطلحات اللغوية أوجها من النظر، وأساليب من البحث أقرب إلى النفع المباشر للإنسانية رحما، وأبعث على نشر المعرفة أثرا؛ وكونت تصورا خاصا تحيز في العقول والأفهام عما يعني من إمكان وحدة المعرفة العامة.
منذ زمان ليس ببعيد صرفت كلمة «حق» أو «حقيقة»
Truth
لتدل على الغاية من المعرفة، وعلى ماهيتها، لا على الطريقة المثلى والسبيل القيمة التي تتبع لاستيعاب المعرفة فحسب «الحقيقة، ولا شيء غير الحقيقة»، ذلك هو المبدأ الذي تعلق بأهدابه الرأي السائد كقاعدة لاستيعاب المعرفة؛ إذ كان المعتقد العام أن الحق كله ليس بشيء سوى توحيد المعرفة أينما وجدت، وحيثما اتفق أن تكون.
Halaman tidak diketahui