Teori Pengetahuan dan Sikap Asli Manusia
نظرية المعرفة والموقف الطبيعي للإنسان
Genre-genre
ومن جهة أخرى فإن باركلي لم يتحدث مطلقا عن الطريقة التي ينقل بها الذهن الإلهي هذه المدركات إلى الأذهان الفردية، ولم يوضح طبيعة العلاقات التي يجب قيامها بين نوعي الذهن حتى يتم الاتصال بينهما، وترك آلاف الأسئلة معلقة في هذا الشأن.
ولنلاحظ أن نفس السؤال الذي أدى بديكارت إلى الشك يمكن أن يثار هنا بنفس القوة، فإذا كانت إدراكاتنا صادرة عن الله أو راجعة إليه، فلماذا بعث فينا - أو في معظم الناس ما عدا باركلي ذاته على الأرجح - اعتقادا بأن هذه الإدراكات صادرة عن أشياء خارجية؟ ولماذا «شوه» إدراكنا بحيث جعلنا نجهل أصله الحقيقي؟ ألا يتنافى هذا مع الصدق «والخيرية» والإلهية؟
فما هي إذن الصورة التي يدعونا باركلي إلى الأخذ بها في صدد مشكلة خارجية العالم؟ إنها صورة ذهن إلهي شامل، يبعث من ذاته صورا أو إدراكات، وينقل هذه الصور أو الإدراكات بطريقة لا يذكر عنها باركلي أي شيء إلى الأذهان الفردية، التي لا نعلم إن كانت في رأي باركلي مشاركة في الذهن الإلهي أو منفصلة عنه، ويتم هذا النقل حسب قواعد ثابتة هي التي نسميها قوانين الطبيعة، هذه هي الصورة التي يعتقد باركلي أنها أفضل من اعتقادنا الطبيعي بوجود عالم خارجي.
وهكذا نجد باركلي مضطرا إلى افتراض قوة روحية خارجية لتعليل استقلال الظواهر عن إرادتنا، ومضطرا إلى رسم تلك الصورة الغريبة للمعرفة البشرية التي تتم عن طريق نقل الذهن الإلهي إلى الذهن البشري لشريط من الصور المتعاقبة بانتظام، هي التي تكون معرفة الإنسان، والمطلوب منا أن نعد هذا التصوير لمعرفتنا أدق وأحكم «وأرفع» من التصوير الطبيعي «الساذج»! ولكن هل هناك أكثر سذاجة وبعدا عن الروح العلمية من ذلك التفسير «البدائي» الذي يقول به باركلي؟ أجل، إنه تفسير بدائي من غير شك، وإن يكن مغلفا في إطار معقد من الحجج والبراهين، فما هو في الواقع إلا مظهر من مظاهر الرجوع إلى عهد تفسير الظواهر بالقوى الخفية التي تحتشد في الكون فتنمي الزرع، وتسقط المطر، وتحرك الجبال، وتعرض أمام ذهن الإنسان شريط المعرفة!
والآن ما الذي يستطيع الذهن السليم أن يقبله؟ وما الذي يتحتم عليه أن يرفضه في هذا كله؟ إن الذهن السليم يقبل حتما قول باركلي بأن الإدراكات الخارجية مستقلة عن الذات؛ لأنها لا تنبعث كلما أرادت الذات ذلك، بل تحتاج إلى شروط محددة إذا توافرت، فسوف ندرك إدراكات خارجية سواء أرادت الذات ذلك أم لم ترد، فلا بد إذن من البحث عن مصدر خارج عن الذات لهذه الإدراكات، ولكن المصدر الذي يقول به باركلي ينبغي أن يرفض بلا تردد، فهو لم يبرهن على أن الذهن الإلهي يدرك الصور الخارجية، وإنما اكتفى بأن «قرر» ذلك معتمدا على أن أية قضية ترد فيها كلمة «الذهن الإلهي» لن تناقش أو لن تمس! وحتى لو سلمنا بهذا الإدراك الإلهي، فسيظل للمرء أن يتساءل: ما هي قيمة إدراك الذهن الإلهي لهذه الصور بالنسبة إلي؟ وكيف يؤدي إلى ثبات إدراكي للأشياء كلما توافرت شروط هذا الإدراك؟ أو ما هي العلاقة الحقيقية بين ذهني وبين الذهن الإلهي؟ وعلى أي نحو يستطيع ذلك الذهن الإلهي - بإدراكه المستمر - سد الثغرات في إدراكي المتقطع؟ وأخيرا - وهذا سؤال يستنكره باركلي دون شك كل الاستنكار ولكن روح البحث الفلسفي تحتمه - إذا كانت هذه الأفكار ترد إلي من روح إلهية، فمن أين جلبت الروح الإلهية ذاتها هذه الأفكار؟ وما الذي أعطاها إياها؟ أو كيف تكونت لديها إذا كانت مجرد انبثاقات تلقائية؟ فهلا يكون هذا الحل أشبه «بالذات الوحيدة الإلهية
Divine Solipsism » وهلا يكون فيه مجرد إرجاء لخطر فكرة «الذات الوحيدة» التي تهدد المثالية على الدوام عن طريق نقلها إلى المستوى الإلهي، والاعتماد على الروح الإيمانية التي لا تجرؤ على مساس هذا المستوى، والاكتفاء بمثل هذا الحل، أو بالأحرى: هذا الهروب من المشكلة؟
هنا - وللمرة الثانية - تظهر فكرة خارجية العالم على أنها هي العقبة التي لا تستطيع المثالية التخلص منها إلا إذا وضعت فروضا ساذجة أو غير منتمية إلى مجال التفلسف المنطقي، أو بعبارة أخرى: فإن المثالية تعجز - في حدود التفكير المنطقي وحده - عن تعليل خارجية العالم. (5) العالم الخارجي بوصفه مجموعة من الانطباعات عند هيوم
في فلسفة هيوم تحليل واضح قوي للتضاد بين «النظرة الطبيعية» والنظرة الفلسفية، من حيث إن الأولى تؤمن بوجود الأشياء خارج الذات ومستقلة عنها، أما الثانية فتبرهن على أن هذه الأشياء ترتد إلى مجموعة من الانطباعات فحسب، ومما يلفت النظر أن هيوم جعل مصير «النظرة الفلسفية» مرتبطا بهذه النظرية المثالية في المعرفة، ولم يتصور إمكان قيام فلسفة لا تتخذ هذا الطابع المضاد للموقف الطبيعي، «والحق أنه مهما تصور الفلاسفة أن في وسعهم الإتيان بحجج يبرهنون بها على الاعتقاد بوجود أشياء مستقلة عن الذهن، فمن الواضح أن هذه الحجج لن تعرفها إلا القلة القليلة، وليست هذه الحجج هي ما يرتكز عليه الأطفال والفلاحون والجزء الأكبر من البشر حين ينسبون إلى بعض الانطباعات أشياء تنتجها، وينكرون على بعضها الآخر وجود هذه الأشياء، وهكذا نجد أن جميع الاستنتاجات التي يكونها العامة في هذا الصدد مضادة تماما لتلك التي تؤكدها الفلسفة؛ إذ إن الفلسفة تنبئنا بأن كل ما يبدو للذهن ليس إلا إدراكا، وهو إدراك غير مستمر، وغير مستقل عن الذهن، بينما العامة يخلطون بين الإدراكات والأشياء، وينسبون وجودا متميزا مستمرا إلى نفس الأشياء التي يحسون بها أو يرونها، ولما كان هذا الرأي بعيدا تماما عن العقل، فلا بد أنه ناتج عن ملكة أخرى غير الفهم.»
9
في هذا النص يفترض هيوم أن آراء الفلاسفة وحججهم هي الأصل في إيضاح مسألة وجود العالم الخارجي، وأن الاعتقاد بوجود الأشياء الخارجية مستقلة عن الذهن هو اعتقاد عامي يقول به الأطفال والفلاحون! فالأصل هنا هو حجج الفلاسفة العقلية، أما التجربة المباشرة والحكم التلقائي والسلوك العلمي فليست له أية قيمة طالما أنه لا يستند إلى حجج فلسفية، وهنا يعد موقف هيوم بالفعل تلخيصا للموقف المثالي بأسره؛ إذ يشكك في تجربة الناس الفعلية في ميدان ربما كان الحكم الوحيد فيه هو هذه التجربة المباشرة الأصلية، ويطلب برهانا على شيء ربما لم يكن فيه مجال للبرهان؛ لأنه يسبق كل موقف فكري أو عملي لنا.
Halaman tidak diketahui