وليلٍ كموْجٍ اليَمِّ مُرْخٍ سُدولَه ... عليّ بأنواع الهمومِ ليَبْتَلي
فقلت له لما تمطّى بجَوْزِه ... وأردف أعْجازًا وناءَ بكَلكَلِ
وقال زهير:
صَحا القلبُ عن سَلْمى وأقصرَ باطلُهْ ... وعُرِّيَ أفراسُ الصِّبى ورَواحلُهْ
قال الأصمعي: أول من عرّى أفراس الصِّبى طُفَيل بقوله:
فأصبحتُ قد عنّفْتُ بالجهلِ أهلَه ... وعُرِّيَ أفراسُ الصِّبى ورواحِلُهْ
وقال العُدَيْل بن الفَرْخ:
تكون لنا بيضُ السيوف مَعاذَةً ... إذا طِرْن بالأيدي كلَمْحِ العقائِقِ
وقال أيضًا:
مَن الطاعِنُ الجبّار، والخيلُ بينها ... عجاجٌ تهادى نقْعُهُ بالسّنابِكِ
الاستعارة تَهادى، والقرينةُ بالسنابك. وقال مُزاحم العُقَيْلي:
سجَنْتُ الهوى في الصّدْرِ حتى تطلّعَتْ ... بناتُ الهوى يُعْوِلْنَ من كلِّ مُعْوِلِ
جعل صدرَه سِجنًا للهوى، وجعل للهوى بناتٍ، وإنما يعني همومَه، وجعلها متَطلِّعةً، وجعلها مُعْوِلَةً، وهذه من الاستعارات الحسَنةِ. وقالت الخنساء:
لدى مأزِقٍ بينها ضيِّقٍ ... تجُرُّ المنيةُ أذْيالَها
جعلتْ للمنية أذيالًا وجعلَتْها مجرورةً والقرينة لفظية. وقال مُزاحم العُقيلي يصِف فَلاةً:
تموتُ الرياحُ الهُوجُ في حَجَراتِها ... وهيهاتَ من أقطارِها كلُّ مَنْهَل
وقال جرير:
ورأيت راحلةَ الصِّبا قد قصّرتْ ... بعدَ الذّميلِ وملّتِ التَّرحالا
وقال أيضًا:
غداةَ ابتَقرْنا بالسيوفِ أجِنّةً ... من الحرْبِ في مَنْتوجَةٍ لم تُطَرَّقِ
ابتقرنا، افتعلنا من البَقر وهو شقُّ البطن للحُبْلى وغيرها، فاستعار للحرب بطنًا وأوجب عليها بَقْرًا، واستخراج جنينها. والتطريق أن يعْسُرَ خروج الولد، وهذه استعارة للحرب حسنة. وقال العائذي:
ونحنُ بنو حربٍ غذَتْنا بثَدْيِها ... وقد شمِطَتْ أصداغُها وقرونُها
وقال حاجب بن زُرارة:
ومِثلي إذا لم يُجْزَ أكرَمَ سعيهِ ... تكلّمُ نُعْماه بفِيها فتَنطِقُ
ومن هذا البيت أخذ نُصَيْب قولَه:
فعاجُوا فأثْنَوا بالذي أنتَ أهلُهُ ... ولو سكَتوا أثنَتْ عليكَ الحقائِبُ
وقال الفرزدق:
والشيبُ ينهضُ في الشبابِ كأنّهُ ... ليلٌ يَصيحُ بجانبَيْهِ نهارُ
أخذهُ ابنُ هَرْمة فقال:
وقد صاحَ في الليلِ النّهارُ كأنّه ... خِلافَ الدُجى أقرابُ أبْلَقَ أقْرَحا
وقال ابن مُقْبِل:
لدُنْ غُدْوَةً حتى نزَعْنَ عشيّةً ... وقد مات شطرُ الشّمْسِ والشطْرُ مُدْنِفُ
وقال سليمان بن عمّار السُلَميّ:
وموْلًى كداءِ البطنِ ليسَ بزائلٍ ... تدِبُّ أفاعيه لَنا والعقارِبُ
أقام قوارصَ كلامِه مقامَ الأفاعي والعقارب، وهذه استعارة حسنة قرينتُها لفظية وهي قوله: تدِبُّ. وقال جَحْشُ بن زيدٍ الحَنَفي:
فَطَمْنا بني كعبٍ عن الحرب بعدَها ... ولاقَوْا من الأبطال وقعًا غَشَمْشَما
القرينةُ في هذا البيت معنويّة، وذلك أنه قد استقرّ عندَهُم تشبيهُ الحرب بالناقة على صِفاتٍ مختلفة، وأنهم يذكرون أخلافها وأنها تدِرُّ وتُحلب، فلما استقرّ عندَهم وكثُرَ بينهم كان اطِّراحُه وإيرادُه عندهم واحدًا، وهذا معنى لطيف فاعْرفْهُ. وقال عجلان بنُ لأيٍ الثّعلبي:
عجِبْتُ لداعي الحرب والحربُ شامِذٌ ... لَقاحٌ بأيْدينا تُحَلُّ وتُرْحَلُ
الشامِذُ: الناقةُ شَمذت تشْمِذُ بالكسر شِماذًا إذا لُقِحَتْ فشالَت بذنَبِها. وقال صابرُ بنُ صفوان الهُذَلي الحنَفيّ:
وقدأشعلَتْ نيرانَها الشمسُ واصْطَلى ... بها غَضْوَرُ البيداءِ حتى تلهّبا
وقال المُحْرِز بن المُكعبِر الضّبّي:
سالتْ عليهِ شِعابُ العِزِّ حين دَعا ... أصحابَهُ بوجوهٍ كالدنانيرِ
هذه استعارة حسنة قرينتُها لفظية، وهي قولُه: سالتْ عليه شعابُ العِزِّ فذكر السّيْلَ مع الشِعاب، ولو قال: سالَ عليه العزُّ لم يكُ حسَنًا. وقال رجلٌ من بَلْعنبر:
1 / 25