9
وتأخذ الباحثة «منقوش» بترجمته إلى «المذبح الملكي بالموضع مكي»، وعليه فالنص يشير إلى موضع للذبح المقدس وتقديم القرابين، وأن هذا الموضع يقع في منطقة تحمل الاسم «مكي» مع ملاحظة تعبير النص الأصلي «مختن» فهو يعني مقر «الختان»، والختان كما هو معلوم كان شرعة مقدسة، تمارس في أيام محددة في أماكن مقدسة، لدى الشعب المصري بوجه خاص، ولم تزل تمارس في مقامات الأولياء وموالدهم حتى اليوم، إضافة إلى أن المختن تعني أيضا المذبح.
وهنا يثور التساؤل الحذر: إذا كان المعبد المقدس للإله حيث تتم عملية الختان، أو تقديم الأضاحي، يقع في منطقة «مكي»، فهل هناك علاقة بين اسم الإله الغامض «المقة» أو «الرب مقة»، وبين «مكي» في النص: مختن ملكن بمكي؟
هناك مشكلة ظاهرية يمكن أن تواجه هذا الاقتراح، وهي أن النص قتباني، وقتبان كانت تعبد الإله القمر باسم «عم» وليس باسم «المقة»، إلا أن هذه المشكلة الظاهرية يمكن أن تساعد على الحل، ولنطرح تصورنا لهذا الحل في الخطوات التالية: (1)
ورد عند ابن طيفور المصري، وعند القيرواني، أن بعض أهل اليمن كانوا يقلبون القاف كافا، كما يفعل أهل فلسطين اليوم، وكثير من المناطق الأخرى، وفي اليمن ذاتها، ومن هنا لا نستبعد العلاقة بين «مكي» و«مقة». (2)
إن إشارة النص القتباني إلى المذبح الملكي بكونه في الموضع «مكي» مع ما عرفناه عن تقديسهم للإله «إل» وتلقيبهم له باللقبين «فخر» و«تعلى»، والصيغة التي يعتبرها «هوبر» لقيته، أقصد «إله-ن» أي «الله» وتشير إلى «إل»، ومع ما علمناه عن «إل» كعلم ذي دلالة خاصة على إله خاص لدى القتبانيين والسبئيين معا - فيما زعم نيلسن - ومع ما افترضناه حول كون «الألف» و«اللام» في أول «المقة» إنما هي «إل» أي إله أو رب، مع هذه المجموعة من الإشارات، نجدنا شبه مضطرين إلى استنتاج أن معبد «إل» على الأرض، سواء كان قتبانيا أم سبئيا، إنما كان يشار إليه بالاسم كان يشار إليه بالاسم «مكي»، ويقدس معبده ومحيطه كحرم خاص له. (3)
ومن هنا نقترح أن يكون اسم «المقة» ليس خاصا بإله خاص، إنما يعني «إل مقة» أو «إله مكي». وهنا ننتقل خطوة أخرى فنحتسب ترجمة النقش «المقة» إلى «الرب مقة» ترجمة غير دقيقة، ويجب أن تكون «إله مكي» أي إله المعبد المسمى «مكي»، وبذلك لا يعد لفظ «المقة» اسم علم يطلق على إله القمر السبئي - كما زعم الباحثون - إنما يصبح مع هذا الاجتهاد بمعنى «رب البيت» أو «بيت الرب»، ويعضد ذلك أنه فيما يبدو كانت كلمة «مك» أو «بك» تعني البيت، أو ربما البيت المقدس في اللسان السامي، ومثال لذلك معبد «بعلبك» في لبنان، والكلمة «بعل-بك» تعني بيت البعل، وكان البعل إلها كنعانيا فينيقيا في تلك المناطق كإله للخصب والخضرة والنماء وربا للمياه والغيث، وعليه يمكن اعتبار «إل مقة» هي «بيت الرب» أو «رب البيت»، وعادة ما تواتر في تاريخ العبادات القديمة إطلاق اسم «بيت الرب أو رب البيت» على محيطه ومدينته بالكامل، وهو ما حدث في حالة «بعلبك»، وحدث أيضا في اليمن حيث وجدنا - كما سبق وفصلنا - نصوص نرام سين تتحدث عن «مكان» بكسر الميم، كبلد يمني ذي علاقات خاصة ببلاد الرافدين القديم، وحيث أشار المسعودي لوجودها في عهده، وقال إنه ركب السفينة من «ميكان» وبحذف أداة التعريف اليمنية «ن» تصبح «ميكا» أو «مكا» بكسر الميم، وهو ما يوعز لنا بالنطق الأصدق للنص القتباني «مختن ملكن بمكي» ليصبح «مختن ملكن بميكا أو بمكا». (4)
ويدعم هذه الاستنتاجات، ما جاء في النصوص السبئية تصف الرب المعبود بأنه «ذوي سموي»،
10
وتعني صاحب السماء أو رب السماء، وإذا أخذنا بافتراض العلماء أن «المقة» فيما زعموا كان إلها للقمر، فسيكون «ذوي سموي» هو «إل» أو «إله-ن» بالذات والتحديد، أي «الله»، أما «المقة» أو «مكة» فلم يكن اسما إلهيا، إنما هو حرم هذا الإله على الأرض، أي يصبح «إل» هو «ذوي سموي» رب السماء، رب البيت المقدس المكرس لعبادته على الأرض. (5)
Halaman tidak diketahui