13
وهو الأمر الذي يستدعينا مرة أخرى العودة إلى ما جاء في التاريخ العربي عن العرب العاربة البائدة، نستوضحه أمر جرهم والعماليق.
العمالقة
سعيا وراء خط سير رحلات النبي إبراهيم، بعد ارتحاله من مصر، والتي فيما يبدو كانت الرحلة التي ذكرها الإخباريون المسلمون إلى جزيرة العرب، وبينما التوراة لا تشير إلى أية علاقة لإبراهيم بجزيرة العرب، فقد أمسكنا بطرف خيط توراتي، يؤكد في عدة مواضع من الكتاب المقدس، أن النبي إبراهيم عندما خرج من مصر توجه نحو الجنوب، لكن دون أن تعطينا التوراة أية تحديدات أو مسميات للمواضع التي مر بها النبي أو استقر فيها في هذا الجنوب. فقط تعلمنا أن هناك قد دب الخلاف داخل أسرة النبي الصغيرة، مما دعاه إلى صرف هاجر ووليدها عن بيته، وبعد عدة نقلات نعلم أن هذا الوليد «إسماعيل» قد أصبح شابا، يمرح وراء الصيد في برية دعتها التوراة «برية فاران». هذا ويذهب الإخباريون المسلمون إلى أن هاجر وولدها، قد سارا يضربان في برية قاحلة، أصابتهما بعطش قاتل، وبينما الطفل النبي يبكي ضرب جبريل الأرض بقدمه ففجرها الله عينا، تلك التي أصحبت بئرا مقدسة لدى عرب الجاهلية والإسلام! وإن كانت التوراة تشير إلى الأمر بصيغة أخرى فتقول: «وفتح الله عينها فأبصرت بئر ماء»، وقد لا يكون ثمة خلاف بين الروايتين، وربما كانت الرواية الإسلامية تسير على ضرب قديم من التوراة، مع أخذنا بالحسبان أن العين في العبرية كما هي في العربية تعني نبع الماء، وحاسة البصر، وربما كان الأصل القديم يقول: إن الله قد أنبع لهاجر عين الماء فأبصرتها، كتعبير أقرب للمفهوم التراثي عن التعبير «وفتح الله عينها فأبصرت ... إلخ ».
وإذا كان هذا المكان في التوراة هو «برية فاران» فهو في القرآن الكريم «واد» وأن هذا الوادي «غير ذي زرع»، وأن في هذا الوادي كان يقوم بيت مقدس للعبادة، وأن صفة القدسية نعلمها من الاصطلاح الذي أطلقته عليه الآيات، فهو بيت «محرم» أو بنص الآيات:
ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم (إبراهيم: 37).
وهنا لابد أن نربط هذه الآية بآية أخرى تحدد لنا اسم الموضع بهذا الوادي، فتقول:
إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين (آل عمران: 96). وسبق وعرفنا من الإخباريين المسلمين أنه في الجوار كانت هناك قبيلتان من العرب العاربة، أو من بقايا العاربة البائدة هما «جرهم» و«عماليق»، مع إشارات تؤكد أنه لم يكن هناك بيت قائم بالفعل في المنطقة. فالثعلبي يقول: إن أرض مكة كانت تنبت أنواعا من الشجر «سلم، سمر، عضاة» «وكان موضع البيت ربوة حمراء»،
1
هذا بينما يؤكد ابن هشام في السيرة أن الكعبة لم تكن موجودة حتى وقت متأخر من عمر إسماعيل، بدليل قوله: «وكان الحجر قبل بناء البيت زربا لغنم إسماعيل»،
Halaman tidak diketahui