4
وهو ما أخذت به الترجمة العربية كما في النصوص السابق إيرادها، فترجمت «ه-نجب» بمعنى الجنوب، والجنوب بالنسبة للنبي إبراهيم - وهو خارج من مصر، وبعد أن مر بمملكة «جرار» جوار غزة حسب خرائط التوراة - ليس شيئا آخر سوى جزيرة العرب.
وإذا كانت التوراة قد أوضحت أن إبرام لما خرج من مصر اتجه إلى الجنوب، فإنها تستمر بسرعة خاطفة، لتقول: «وسار في رحلاته من الجنوب إلى بيت إيل، إلى المكان الذي كانت خيمته فيه في البداءة.» مما يشير إلى فجوة كبرى وسط الرواية، فهي بسرعة تقول إنه عاد من الجنوب، ولا تعلمنا لماذا خرج من مصر واتجه جنوبا من الأصل، ولأي هدف كان نزوله جنوبا، ولا الأحداث التي جرت له هناك، ولا المدة التي قضاها في هذا الجنوب كما هي عادة التوراة التي عهدناها مفصلة إلى حد الإملال، كما لو كان هذا الجزء من الرواية قد اقتطع اقتطاعا، فيعود النبي فجأة من الجنوب إلى الشمال حيث بيت إيل، المكان الذي كانت خيمته فيه في البداءة.
وهنا يبدو أن إصرار الإخباريين المسلمين على علاقة إبراهيم بجزيرة العرب اكتسب مسوغاته، بل أصبح واضحا أن العلاقة يمكن أن تملأ فراغا وفجوة كبرى بالرواية التوراتية، لهذا وجب أن نقف هنيهة مع ما أورده الرواة المسلمون عن زيارة الخليل لجزيرة العرب، والتي ترتبط بميلاد إسماعيل من المصرية هاجر.
وإذا كان الهبوط جنوبا يرتبط بإسماعيل، فربما لو توقفنا مع قصة التوراة عن ميلاد إسماعيل وجدنا شيئا أكثر وضوحا عن مسألة هبوطه جنوبا، تقول التوراة:
وأما ساراي امرأة إبرام فلم تلد له، وكانت لها جارية مصرية اسمها هاجر، فقالت ساراي لإبرام: هو ذا الرب أمسكني عن الولادة، ادخل على جاريتي لعلي أرزق منها بنين، فسمع إبرام لقول ساراي ... فدخل على هاجر فحبلت، ولما رأت أنها حبلت صغرت مولاتها في عينيها، فأذلتها ساراي فهربت من وجهها، فوجدها ملاك الرب على عين الماء في البرية، على العين التي في طريق شور، وقال: يا هاجر جارية ساراي ... ارجعي إلى مولاتك، واخضعي تحت يديها. وقال لها ملاك الرب: تكثيرا أكثر نسلك فلا يعد من الكثرة، وقال لها ملاك الرب: ها أنت حبلى فتلدين ابنا وتدعين اسمه إسماعيل، لأن الرب قد سمع لمذلتك وأنه يكون إنسانا وحشيا، يده على كل واحد ويد كل واحد عليه.
تكوين 16: 1-12
أما لماذا استعجل إبراهيم تحقيق الوعد بالنسل الموعود، وخشي مزيدا من الشيخوخة فدخل بهاجر؟ فهو ما يعقب عليه «ماير» وهو يتحدث عن سارة: «لماذا لا يتبع زوجها عادة أهل زمانه «السخيفة»، ويتزوج تلك الجارية المصرية، التي إما أن يكونا قد اشترياها من أحد الأسواق المصرية، أو أهديت إليهما من فرعون مع باقي الهدايا التي خلعها عليهما، وضعف إيمانه في قدرة الله بأنه قادر أن يحقق وعده بطرق أخرى غير الطرق الطبيعية؟ كل هذا دفعها لتقديم اقتراحها، لعل هذا الهاتف قد خطر على باله في أوقات ضعفه، كان يحمل في طياته علامات الشك في قدرة القدير؛ لأنه كان يتضمن التعجيل في تحقيق وعد الله وبلا تردد، ودون الرجوع إلى الله. قبل إبراهيم هذا العرض، وإذا أصبحت هاجر سيدة موقرة في المحلة، احتقرت سيدتها العاقر.» ثم كعادة المستر ماير الذي لا يجد فرصة للطعن على المصريين إلا وانتهزها، فيستطرد بالقول: «نحن لا نندهش من تصرفات هاجر إزاء سيدتها إذ عيرتها بوقاحة، فماذا يمكن أن ينتظر من جارية كهذه «وضيعة الأصل».»
5
ونتابع القصة التوراتية التي تستطرد:
Halaman tidak diketahui