سمعت شيخنا أبا عبد الله جعفر بن محمد بن مكي رحمة الله، يصف نباهتها وفصاحتها وحرارة نادرتها وجزالة منطقها وقال لي: لم يكن لها تصاون يطابق شرفها. وذكر لي أنها أتته معزية له في أبية إذ توفي ﵀ سنة أربع وسبعين وأربعمائة، وتوفيت رحمها الله يوم مقتل الفتح بن محمد بن عباد يوم الأربعاء لليلتين خلتا من صفر سنة أربع وثمانين وأربعمائة، ولم تتزوج قط، وعمرت عمرًا طويلًا إلى أيام المعتمد
قال ذو النسبين ﵁: كانت الحسيبة ولادة في زمانها واحدة أوانها، حسن منظر ومخبر، وحلاوة مورد ومصدر، وكان مجلسها بقرطبة؛ منتدى احرار المصر، وفناؤها ملعبًا لجياد النظم والنثر، يعشو أهل الأدب إلى ضوء غرتها، ويتهالك أفزاد الشعراء والكتاب على حلاوة عشرتها، إلى سهولة حجابها، وكثرة
منتابها؛ تخلط ذلك بعلو نصاب، وسمو أحساب؛ على أنها - سمح الله لي ولها، وتغمد زللي وزللها - اطرحت التحصيل، وأوجدت إلى القول فيها السبيل؛ بقلة مبالاتها، ومجاهرتها للذاتها. كتبت - زعموا - على عاتقي ثوبها:
أَنَا واللهِ أصلُحُ للمعاليِ ... وأمشى مِشيَتِي وأتيهُ تِيهَا
وأُمكُن عاشقي من صَحْن خَدّي ... وأُعطِى قُبلتي من يَشْتَهيها
1 / 8