وحدثني الوزير الكاتب المحدث الفاضل أبو عبد الله محمد بن أبي القاسم ابن عُميرة، قال: سمعت الوزير الكاتب أبا نصر الفتح بن محمد بن عبيد الله بن خاقان يقول: أخبرني الوزير أبو محمد بن عبدون أنه سايره إلى شنترين قاصية أرض الإسلام، السامية الذُرى والأعلام؛ التي لا يروعها صرف، ولا يفرعها طرف؛ لأنها متوعرة المراقي، معثرة للراقي؛ متمكنة الرواسي والقواعد، على
ضفة نهر استدار بها استدارة القلب بالساعد؛ قد أطلت على خمائلها إطلال العروس من منصتها، واقتطعت في الجو أكثر من حصتها، فمروا ببلش قطر سالت به جداوله، واختالت فيه خمائله؛ فما يجول الطرف منه إلا في حديقة، أو بقعة أنيقة. فتلقاهم ابن مُقانا قاضي حضرته وأنزلهم عنده، وأورى لهم بالمبرة زنده؛ وقدم طعامًا، واعتقد قبوله منًا وإنعامًا. وعندما طعموا قعد القاضي بباب المجلس رقيبًا لا يبرح، وعين المتوكل حياءً منه لا تجول ولا تمرح. فخرج أبو محمد وقد أبرمه القاضي بتثقيله، وحرمه راحة رواحه ومقيله؛ فلقى ابن جيرون منتظرًا له، وقد أعد لحلوله منزله؛ فصار إلى مجلس قد ابتسمت ثغور نواره، وخجلت خدود ورده من زواره؛ وأبدت صدور أباريقه أسرارها، وضمت عليه المحاسن أزرارها. ولما حضر له وقت الأُنس وحينه، وأرجت له رياحينه؛ وجه من يرقب المتوكل حتى يقوم جليسه، ويزول موحشه
1 / 23