22

Mutawali Salih

المتوالي الصالح

Genre-genre

فركبا وقصدا القرية التي يقيم فيها بعد أن مرا بالنقطة التي وقعت فيها الحادثة، فلاحظا أن هنالك شعبا ضيقا يوصل من محل وقوع الجناية إلى منزله وسط دغل كثيف يستطيع الإنسان أن يسير فيه دون أن يراه أحد أهل القرية، وأطلا من شرفة الدار فلاحظا أن طريق العمروسة إلى زحلة مكشوفة من هنالك، فيستطيع الإنسان من سطح المنزل أن يرى الذاهبين من العمروسة إلى المعلقة أو زحلة، ثم تسير الطريق في منعرج جبلي إلى حيث وقعت الجناية، فيستطيع الإنسان بكل سهولة أن يصل من منزل سلمان أحمد إلى تلك النقطة قبلما يصل الراكب إليها.

وبينما هما جالسان هنالك أقبل بعض أصحاب سلمان أحمد لزيارته ومشاهدة ضيفيه فقدمت القهوة، وما أشد دهشة فارس أفندي؛ إذ رأى رجلا عبل الساعدين مفتول العصب يقدم القهوة، ثم أصلح فنجانا بيده اليسرى مما استدل منه على أنه أعسر، فنظر إلى رفيقه، فرآه يحدق به بصره، فعرف أنه يفكر بمثلما يجول بخاطره.

ثم تأمل الرجل مليا فلاحظ أن هنالك أثر خدوش في الجهة اليسرى من عنقه، يحتمل أن تكون أثر أظافر يد، فوقعت الشبهة على هذا الرجل، وكأن الرجل شعر بأن فارس أفندي يحدق به، فارتجفت يداه، وكادت الصينية التي كان يحملها أن تسقط من يديه. (2) المحاكمة

اجتمع الناس في المعلقة لسماع محاكمة محمد الهلالي ورفاقه المتهمين بقتل سمعان إلياس، وأحضر عدد من الشهود الذين شهدوا أن محمد الهلالي كان زعيم عصابة معادية للمسيحيين، وأنهم شاهدوه أكثر من مرة يجول على أطراف لبنان للتعدي، وكان هؤلاء الشهود ممن دبرهم سلمان أحمد تشفيا من آل الهلالي، وبينهم اثنان من أفراد العصابة التي فرت من أمام أهل العمروسة يوم هاجمت سليما ووالده في العام الماضي استعان بهما سلمان لينتقم من أخصامه.

فتليت ورقة الاتهام، وأخذ المستنطق يورد الأدلة التي تثبت الجريمة على المتهمين، ثم أخذ القاضي يسأل المجرمين عما نسب إليهم، كلا بمفرده، فأنكروا جميعا، وقال أحدهم: إنهم أبرياء وهم أكثر الناس حزنا على المرحوم؛ لأنه كان أكبر صديق لهم، ولو عرفوا القاتل لمزقوه إربا إربا، فضحك القاضي، وقال: هذا الكلام يثبت الجرم عليكم، ويدل على أنكم قتلة سفاحون، وإلا كيف تقول هذا القول.

وكان فارس أفندي قد طلب أن يتولى الدفاع عن المتهمين فوقف، وقال: ليسمح لي فضيلة القاضي أن أدفع هذه التهمة الشنعاء عن هؤلاء الأبرياء، فإنه إذا ثبتت هذه التهمة على أهل العمروسة كانوا أفظع الجناة الأثمة، بل كيف يعقل أن يقتل الإنسان صديقا أحسن إليه وعاشره مدة طويلة دون أن يثير خاطره أو يسيئه بشيء، أو أن يكون له من وراء ذلك ربح مادي، ولهذا أرجو من عدالة المحكمة ألا تعجل بالحكم قبلما تقف على بواطن الأمور.

ليس لأهل الهلالي أعداء، ولكن لهم حسادا أشرارا، دبروا مكيدة شريرة للقضاء على هذا البيت الكريم، وأهل قرية اشتهروا بالجد والنشاط.

عرف سمعان إلياس بدماثة أخلاقه، وحسن معاملته، وصدق مودته، فأخلص له أهل العمروسة الود، واختصوه بالمعاملة دون سواه، وتمكنت بين الفريقين عرى المودة والاتفاق إلى أن أصبح محله في زحلة بغية الطلاب ومقصد صاحب كل حاجة من أهل العمروسة فضلا عن أنهم هم لا يبيعون حاصلاتهم إلا له، فهذه الصفات الممتازة التي عرف بها الفقيد والمنفعة المتبادلة بينه وبين أهل القرية كانت سببا في تعلق أهل القرية به، فليس ثمة من دافع يدفعهم لقتل رجل بريء لم يؤذ أحدا منهم، بل كان يمد يده لمساعدة كل فرد من أفراد هذه القرية قصده لحاجة أو طلب مساعدته في شأن من الشئون.

بقيت مسألة أخرى وهي السرقة وسلب المال.

لو كان الدافع الذي دفع الجاني إلى هذه الجريمة سلب المال لكان ترصد للقتيل قبل وصوله إلى القرية، وهو يحمل مبلغا كبيرا من المال، لا بعد عودته خالي الوفاض، وقد دفع كل ما كان في يده، وبقي عليه جزء من الثمن (وهنا أبرز أمام المحكمة أوراقا تثبت ذلك).

Halaman tidak diketahui