ولا معاد ولا منقلب، لما كان ذلك قادحًا في آلهيته، ولا متحيفًا لطرف من أطراف حكمته، ولا معاند لما يليق بربوبيته؛ فكيف وقد نصب العلامات، وأحكم الشواهد والبينات، وأقام البرهان والآيات، على تحقيق المعد وحصول السعادة والشقاء، بحسب الصور الموجودة لواحد واحد؟ ثم قال: لو سألنا العقلاء بأسرهم، وسألنا أعقلهم فقلنا: ما تقول في بدنك إذا بطل بأسره ولم يبق منه شيء إلا العين التي من شأنها أن تبصر الأشياء؟ فإن جوابه لا يعدو أن يكون: إذا لم يكن بد من فناء جميع البدن بأجزائه فلأن تبقى العين وهي أشرف ما فيه، أو السمع وهو في الشرف بمكان خير من أن لا يبقى شيء ويبيد كله ويضمحل جميعه؟ قال: فيقال له: فكذلك النفس في بقائها بعد أن يصرخ عنها قشورها وتفارق مختارة لبوسها؟ قال: وإنما ضربت هذا المثل، وعرضت هذا التشبيه، لأنه قال لي قائل: ألإنسان لا يبقى فإذا لم يبق الإنسان فأية فائدة فيما يبقى منه أوله أو آخره؟ قال: وهذا لو ضرب المثل بمن له ولد، أعني لو قيل لا سبيل إلى بقائك بذاتك لأنك لا تحتمل ذلك بعنصرك ولكن يبقى بعدك ولدك الذي هو بضعة منك وفاضل عنك، لآثر بقاء ولده من بعده إيثارًا حسنا طيب النفس به، فإنه يرى أن ولده منه أو هو هو، لأنه يرى مصاصته وخلاصته وبصاصته وسلالته، ولا يكاد يفصل بينه وبين نفسه إلا بالشخص، والشخص فقط.
ثم قال موضحًا لما اتصل بصدد كلامه: إعلم أن الإنسان لا يبقى إنسانًا لأن الإنسان إنما هو إنسان بحده المنطقي فإذا صفا مما كان به كدرًا، وانبسط إلى ما كان عنه مركبًا، وانتهى عما كان به محدودًا، وارتقى مما كان به هابطًا محظوظًا، وخلع الصورة الملابسة للحس، والغشاء اللاصق به من ظاهره، فإنه حينئذ يكون الباقي الذي كان مرة إنسانًا، لأن الإنسان اسم للحد المعروف، أعني الحي الناطق المائت. فإذا ارتفع الحد ارتفع الاسم وحقت الحقيقة التي كانت النفس موجودة بها حاصلة. ألا ترى أن الإنسان إذا قدم فكره في
1 / 189