وأيضا فإن في التوراة أن الله أحل لنوح وبنيه من المآكل الأشياء كلها، إلا المخنوق الذي دمه فيه، ثم جاءت شريعة موسى بتحريم كل ما لم يجتر، وكل ما لم يكن مشقوق الظلف. وكل هذا دليل على النسخ وعلى فساد قولهم في الامتناع من جوازه، وعلى أنه قد كان مباحا لولد آدم _صلى الله عليه وسلم_ من صلبه أن يتزوج الأخ منهم أخته، وذكر ذلك شائع في الأمم، وظاهر على ألسنة الناس، ومعروف عند أهل الكتاب، والدليل عليه من التوراة حاضر، يذكر آدم وزوجته على سبيل الأخبار بأنهما أصلان للبشر، وأطباق أهل الكتاب على أن الناس جميعا أولاد آدم وحواء، ولا يكون ذلك كذلك إلا وقد تزوج الأخ منهم أخته، وبدون هذا يقع الفصل في هذا الباب، فإن تركوا هذا القول وذهبوا إلى ما ذهب إليه قوم من اليهود أنهم لا يمتنعون من القول بجواز النسخ (¬1)
¬__________
(¬1) النسخ لغة: إزالة الشيء دون أن يقوم آخر مقامه، واصطلاحا يختلف المراد منه عند عامة السلف عنه عند علماء الأصول، فهو عند أهل الأصول: رفع الحكم بجملته، كرفع حكم آية الوصية بآية المواريث، واختلف العلماء في تعيين المعنى الذي وضع له لفظ النسخ. فقال بعضهم: إنه حقيقة في الإزالة، مجاز في النقل، وهو رأي ابن سلامة، والحسن البصري، والرازي، والبيضاوي.
وقال القفال: إنه مجاز في الإزالة، حقيقة في النقل، وقيل: مشترك بينهما، وإلى ذلك ذهب الآمدي، والغزالي والباقلاني.
Halaman 93