ويقال لهم: أوليس الله جل جلاله قد خالف بين أحوال الناس وأحوال أزمانهم، فأحيا شيئا مدة ثم أماته، وجعل شيئا مواتا مدة ثم أحياه، وجعل ليلا ونهارا وشتاء وصيفا، يكون واحد منهما في زمان ثم ينقضي ويجيء مكانه خلافه، ويكون الإنسان فقيرا وقتا وغنيا وقتا، وصحيحا مرة وسقيما مرة، في أشباه ذلك من صنوف الأشياء التي خالف الله بها بين أحوال الناس، وقدر كل شيء منها في زمان دون زمان؟ أفيجب بذلك أن يكون ما يوجد بهذا الاختلاف دليلا على أن فاعله ذو بدوات، وأنه يريد شيئا ثم يكرهه، وأنه يستحدث علما لشيء لم يكن به عالما؟ فإن قالوا نعم ظهر جهلهم، ولزمهم مع ذلك ألا ينكروا النسخ مع إجازة البداء فيه، وإن كان هذا كله لا يوجب البداء، ولا يدل على خلاف العلم، ولا على أن ذلك ليس من فعل حكيم، فما الفصل بين هذا وبين اختلاف الشرائع (¬1)
¬__________
(¬1) الشرع: البيان والإظهار، والمراد بالشرع المذكور على لسان الفقهاء: بيان الأحكام الشرعية.
والشرع: كل فعل أو ترك مخصوص من نبي من الأنبياء صريحا أو دلالة، فإطلاقه على الأصول الكلية مجاز وإن كان شائعا، بخلاف الملة فإن إطلاقها على الفروع مجاز، وتطلق على الأصول حقيقة كالإيمان بالله وملائكته وكتبه، وغير ذلك، ولهذا لا تتبدل بالنسخ، ولا يختلف فيها الأنبياء، ولا تطلق على آحاد الأصول.
Halaman 91