329

فأما المشتري والزهرة والقمر فإنها إذا قارنت الشمس وأحرقتها فإن كان بعضها قو يا على نحو ما وصفنا من قواها كان ما يناله من فساد الاحتراق أقل وهذه الكواكب الثلاثة يسعدن الشمس إذا كن تحت شعاعها بعض السعادة والشمس تحرقها وتفسدها وكل الكواكب إذا كن مع الشمس صميمية على نحو ما وصفنا قبل فإنها في كثير من الأشياء تدل على السعادة وذلك لأنها إذا تحركت هي والشمس علينا على سمت واحد أدت إلينا الشمس بسعادتها طبيعة الكواكب الدالة على الكون والسعادة

وأما القمر فإنه إذا قارن زحل والمريخ فإنهما ينحسانه إلا أن الذي يقال في الجملة إن منحسته من زحل أشد منها من المريخ وإذا كان في النصف الأول من الشهر كانت طبيعته حارة ويمازج بطبيعته الحارة برد زحل فتكون منحسته من زحل أقل ولا يمازج حرارة المريخ فتكون منحسته منه أشد وإذا كان في النصف الأخير من الشهر كان الغالب عليه البرد ومازج برده حرارة المريخ فتكون منحسته منه أقل ولا يمازج برد زحل فتكون منحسته منه أشد وإذا كان القمر قو يا ببعض القوى التي ذكرنا كان ما يناله من منحستها أقل وإذا كان أحدهما أقوى من القمر كان ما يناله من المنحسة منه أكثر وأشد وأما زحل والمشتري إذا اقترنا فإن الأقوى منهما تكون طبيعته أظهر وكذلك ينظر في اقتران الزهرة والمريخ ومقارنة سائر الكواكب بعضها لبعض وإذا اقترن عدة كواكب فإن الأقوى منها يكون أظهر فعلا

وقد زعم قوم أن زحل والمريخ إذا كان كل واحد منهما على الانفراد نحسا بطبيعته فإنهما إذا اقترنا لم يدلا على السعادة بل إنما يدلان على الإفراط في النحوسة واحتجوا على ذلك بأن قالوا إن الشيئين إذا كانا من جنس واحد وطبيعة واحدة واجتمعا كان أقوى لطبيعة ذلك الشيء لأن النار إذا اجتمع إليها نار مثلها لم تتغير عن طبيعتها بل يكون فعل ما يجتمع منها على الاحتراق أقوى وكذلك إذا جمع إلى الصبر صبر مثله لم يتغير عن طبيعته بل يكون ما يوجد من فعل طبيعته عند اجتماعهما أقوى وأظهر وكذلك هذان الكوكبان إذا كان كل واحد منهما نحسا على الانفراد فإنهما إذا اقترنا لم يدلا على السعادة التي هي خلاف طبيعتهما بل إنما يدلان على الإفراط في النحوسة والفساد

Halaman 756