فأما المشتري والزهرة والقمر فإنها إذا قارنت الشمس وأحرقتها فإن كان بعضها قو يا على نحو ما وصفنا من قواها كان ما يناله من فساد الاحتراق أقل وهذه الكواكب الثلاثة يسعدن الشمس إذا كن تحت شعاعها بعض السعادة والشمس تحرقها وتفسدها وكل الكواكب إذا كن مع الشمس صميمية على نحو ما وصفنا قبل فإنها في كثير من الأشياء تدل على السعادة وذلك لأنها إذا تحركت هي والشمس علينا على سمت واحد أدت إلينا الشمس بسعادتها طبيعة الكواكب الدالة على الكون والسعادة
وأما القمر فإنه إذا قارن زحل والمريخ فإنهما ينحسانه إلا أن الذي يقال في الجملة إن منحسته من زحل أشد منها من المريخ وإذا كان في النصف الأول من الشهر كانت طبيعته حارة ويمازج بطبيعته الحارة برد زحل فتكون منحسته من زحل أقل ولا يمازج حرارة المريخ فتكون منحسته منه أشد وإذا كان في النصف الأخير من الشهر كان الغالب عليه البرد ومازج برده حرارة المريخ فتكون منحسته منه أقل ولا يمازج برد زحل فتكون منحسته منه أشد وإذا كان القمر قو يا ببعض القوى التي ذكرنا كان ما يناله من منحستها أقل وإذا كان أحدهما أقوى من القمر كان ما يناله من المنحسة منه أكثر وأشد وأما زحل والمشتري إذا اقترنا فإن الأقوى منهما تكون طبيعته أظهر وكذلك ينظر في اقتران الزهرة والمريخ ومقارنة سائر الكواكب بعضها لبعض وإذا اقترن عدة كواكب فإن الأقوى منها يكون أظهر فعلا
وقد زعم قوم أن زحل والمريخ إذا كان كل واحد منهما على الانفراد نحسا بطبيعته فإنهما إذا اقترنا لم يدلا على السعادة بل إنما يدلان على الإفراط في النحوسة واحتجوا على ذلك بأن قالوا إن الشيئين إذا كانا من جنس واحد وطبيعة واحدة واجتمعا كان أقوى لطبيعة ذلك الشيء لأن النار إذا اجتمع إليها نار مثلها لم تتغير عن طبيعتها بل يكون فعل ما يجتمع منها على الاحتراق أقوى وكذلك إذا جمع إلى الصبر صبر مثله لم يتغير عن طبيعته بل يكون ما يوجد من فعل طبيعته عند اجتماعهما أقوى وأظهر وكذلك هذان الكوكبان إذا كان كل واحد منهما نحسا على الانفراد فإنهما إذا اقترنا لم يدلا على السعادة التي هي خلاف طبيعتهما بل إنما يدلان على الإفراط في النحوسة والفساد
Halaman 756