برهن لي، في تلك الظروف، على لؤم شديد وأكد لي مرة أخرى صحة المثل القائل بأن العدو عدو حتى ولو اغدقت عليه النعم، فإنه يغتنم أول فرصة للإيقاع بك.
قبل ارتقائي إلى درجة باي، وعندما كنت ما أزال قائدا على العواسي (٤٢) عرفت العربي القسنطيني. لقد كان مشهورا بالفكاهة والمداعبة لا يحاشي أحدا ولم أسلم منه حتى أنا. وبما أن الداي حسين كان يسمع له، فإنه رفع إليه اتهامات ضدي أطلعني عليها الباشا فيما بعد وذكر لي صاحبها. غير أنه لم يكن لهذه الاتهامات أي مفعول اذ أن حسين عينني بايا على قسنطينة بعد ذلك بمدة قليلة رغم ما أبديته من رفض، فازداد غيظ العربي لذلك وأخبرت بكل ما كان يوجهه إلي من سب ولم أعط لشتائمه اهتماما كبيرا، بل لقد نسيتها. وفي هذه الأثناء استولى الفرنسيون على الجزائر، وعندما جمعت - في جنان الباشا جميع الهاربين من المدينة، جاءني العربي صحبة أسرته وقال لي:
«يا أحمد إنني لجأت إليك، ووضعت بين يديك زوجتي وأطفالي وكل ما أملك. أعرف بأنني أسأت إليك، ولذلك أهبك رأسي، ولكن انقذ حرمي وأبنائي وأعدهم إلى
_________
(٤٢) - قبائل كانت تسكن بناحية عين البيضاء.
1 / 58