رفت من خدمة الشركة بسبب كيت وكيت وكيت. وهذه «الكيتات» ليس فيها بحمد الله ما يخل بالنزاهة والأمانة ولكن فيها ... بكل أسف ... ما فيها والسلام!
وأبصرت أمامي فإذا ساعي البريد واقف ينتظر البقشيش!
وما فيش لزوم لشرح ما جرى له بالتمام والكمال!
نهايته. نقدتني الشركة ماهية ثلاثة أشهر كمكافأة، وقد بلغت قيمتها بعد خصم الوفورات التي كنت أقتصدها من الماهية الشهرية مبلغ سبعين جنيها. كانت كل زادي وعتادي الذي عدت به من نجع حمادي إلى القاهرة. وهو كما ترى مبلغ لا بأس به إذا قيس بما عاد به زميلي الطيب الذكر حنين من خفين!
عودة إلى القاهرة
وصلت إلى القاهرة أحمل هذا المبلغ. فكان أول ما اتجه إليه فكري هو البحث عن الزملاء الأقدمين والصحب الأولين.
وكانت ثروتي هذه ... وما لازمني من «الوجاهة» إياها سببا في أن يلتف حولي رهط منهم. آل يعني الواد وارث! وهات يا بعزقة، وهات يا صرف إلى أن صحوت فجأة فإذا ما بقي بعد الأسبوعين الأولين مبلغ وقدره ستة وعشرون جنيها فقط لا غير! وبعدين إذا صرفتهم أعمل إيه وأسوي إيه؟ وآكل منين؟ وأنا يا مولاي كما خلقتني. ولا فيه شغلة ولا مشغلة! وبناء عليه أصدرت فيما بيني وبين نفسي قرارا صممت على تنفيذه. وهذا القرار هو أن ألايمها بالتي هي أحسن وألم إيدي شوية. وأنقذ ما يمكن إنقاذه من القرشين اللي فاضلين. وكفاية علي ريال في اليوم أكل وشرب ومصاريف نثرية. وبهذه الطريقة آمن شر الدهر الخئون لغاية ما يحلها من لا يغفل ولا ينام!
وبعد إصدار هذا القرار بساعة وعشرين دقيقة تماما قصدت إلى حيث كانت تعمل فرقة الأستاذ جورج أبيض (على فكرة) كان مصرحا لي بالدخول مجانا كأرتست. فدخلت الصالة وجلست أشاهد رواية (أوديب الملك) وبينا أنا أذرف الدمع ثخينا على هذا الملك المنكوب إذ وفد الأستاذ سليم أبيض (شقيق أوديب) ومدير إدارة الفرقة وجلس بجانبي. وحين رآني متأثرا، فاتحني بحقيقة مرة كان أثرها في نفسي أبلغ من أثر الفكرة التي حلت بأوديب المسكين!
هذه الحقيقة هي أن إيراد الفرقة خسع خالص، والليلة لازم الممثلين يقبضوا القسط، والإدارة مش لاقيه تقبضهم. وعلشان كده قصدتك يا نجيب في حسبة خمسة وعشرين جنيها بس، ندفع منهم قسط الممثلين وتاخدهم بعد يومين اثنين. يومين بالعدد. وأخويا جورج ضامن يا نجيب!
وهنا أسقط في يدي، ولعنت الظروف التي قادت قدمي إلى المسرح في تلك الليلة الليلاء التي قررت فيها بدء حياة جديدة للتدبير والاقتصاد. ولم يكن هناك بد من الاعتذار، فاعتذرت بالطبع وكلما تكرر الرجاء تمسكت بالاعتذار. ولكن قوة الأستاذ سليم أبيض في الإقناع، وبراعته في وصف الحالة الراهنة من جهة، ومحبتي للفن من جهة أخرى، هذه العوامل لم تدع لي سبيلا كي أرفض فقلت له: «اسمع يا خواجه سليم ... مفيش في جيبي غير 26 جنيها، فإذا كنتم عاوزين 25 جنيها على شرط أنكم ترجعوهم بعد يومين صحيح فأنا مستعد ... وأهو الجنيه الفاضل يكفيني اليومين دول».
Halaman tidak diketahui