156

Pengasas Mesir Moden

الاتجاه السياسي لمصر في عهد محمد علي: مؤسس مصر الحديثة

Genre-genre

115

على أن الباشا بعد زيارته الطويلة لربوع السودان في سنة 1838م قد اتخذ الإجراءات الفعالة لتضييق دائرة النخاسة. فبعد أن كانت الضرائب تدفع بتقديم عدد معين من الرقيق قرر الباشا أن تدفع في المستقبل بتقديم مقادير معينة من الحبوب وما إليها من المحاصيل، ومع أن قراره هذا كانت له نتائجه الفعالة طبعا؛ فإن هذه العادة الوحشية المتأصلة في البلاد - عادة شن الغارة على الرقيق - قد قدر لها أن تظل وقتا طويلا دون أن تستأصل شأفتها بتاتا.

وكان على النقيض من تراخي الباشا حيال النخاسة والرق موقفه فيما له مساس بالشئون الصحية أو شئون التعليم؛ ففي مسألة الرقيق لم يكن الباشا كثير الإيمان بنظريات رجال الغرب في صدد إطلاق الحرية للجميع، أما في المسائل الأخرى فقد كان على يقين بأن أطباء الغرب أعلى كعبا من «الحكماء» المصريين، وأن شعبه يفيد أكبر فائدة من التعاليم الغربية. وقد وضع محمد علي ثقته التامة في كل ما يتعلق بالشئون الصحية أو التنظيم الطبي في شخص كلوت بك، وهو أحد أطباء الفرنسيين، وقد بنيت تحت إشرافه مدرسة للطب في جهة أبي زعبل، على أن هذه المحاولة ما لبثت أن أعقبها الفشل، وتبين أنها محاولة جاءت قبل أوانها؛ وذلك بسبب ضعف مستوى التعليم العام.

وقد كان كبار المعلمين فرنسيين ممن لا يعرفون التكلم بالعربية، بينما كان الطلبة مصريين ممن لا يفقهون الفرنسية، فلم يكن يمكن في هذه الحالة أن تسفر النتيجة الختامية إلا عن إخراج بعض «جراحين» لا دراية لهم بالطب الغربي. وليس من شك في أنه كان يكون أصوب لو أن الباشا بدأ تنفيذ فكرته بإرسال عدد محدود من رجاله إلى الخارج للحصول على ما هم في حاجة إليه من أنواع الخبرة والدراية، ولكنه كان راغبا في أن تكون الوحدات المختلفة التابعة لجيشه مزودة بالجراحين ومساعديهم، وهذا ما جعله يصر على الحصول عليهم فورا، على أنه كان ميالا لتشجيع الماهرين بين الزوار الذين يهبطون القطر المصري؛ فمن ذلك أن الدكتور شارل تيلور حكيم العيون زار الإسكندرية في سنة 1836م، وقد أجرى عدة عمليات كان النجاح حليفه فيها كلها؛ مما دفع الناس من كافة الطبقات أن يقصدوه أفواجا، وقد كان يذهل لمحاصرة داره يوميا نحو 70 إلى 80 شخصا على أمل استلفات نظره والاستفادة مما خيل إليهم أنها مهارة فوق مهارة البشر، وقد طمع الباشا في أن يستبقيه في مصر لينتفع الناس بعلمه؛ فعرض عليه مرتبا قدره 1200 جنيه في العام.

116

وكان مستشفى البيمارستان من أفظع المناظر التي تصطدم بها أعين السائحين؛ فقد كانت دارا في دور الإحسان والبر ملحقة بأحد المساجد، وكان الإنسان إذا زارها وجد جيشا من المرضى تنبعث منهم روائح كريهة، ويرى القمل في أجسادهم، أو أن يجد بعض مسلوبي العقل وهم عرايا الأجسام مصفدين في الأغلال تنظرهم من خلال نوافذ ذات قضبان حديدية تحول دون فرارهم. وكان هؤلاء المساكين الذين هم أشد الآدميين بؤسا في حراسة أحد المصريين المسنين، فكان يستعرضهم أمام السائحين على أمل أن يتحفوه بالهدايا وينفحوه بالبقشيش، وسرعان ما وافق الباشا على مشورة كلوت بك بإلغاء هذا الأثر المتخلف عن العصور المظلمة، وأمر أن يقام بدلا عنها مستشفى في ميدان الأزبكية الشاسع.

117

ومثل آخر يدلك على مبلغ حرص محمد علي واستعداده للأخذ بأهداب التحسين والإصلاح، وهذا المثل يتجلى في مبادرته إلى إنشاء إدارة الشئون الصحية؛ فلقد أصيبت مصر في سنة 1830م بوباء الكوليرا وكان شديد الوطأة، وقد نقل الحجاج جراثيم هذا الوباء عند عودتهم من الحجاز إلى السويس، وسرعان ما سقط ضحية له نحو 150 شخصا في خلال يومين.

وفي خلال الأسبوعين التاليين إذا بالوباء يظهر فجأة في القاهرة. وطمعا في منع الوباء من الوصول إلى الإسكندرية استعان محمد علي بالقناصل العموميين واضعا تحت تصرفهم كل من كان من جنوده على مقربة من الثغر، وأطلق الحرية الكاملة في صدد النفقات.

وقد لبى القناصل نداء الباشا، وإن كان يلوح أنهم قد داخلهم اليأس عن وقف انتشار الوباء أو كبح وطأته؛ فأنشأ القناصل كردونين من الجنود في القاهرة والإسكندرية.

Halaman tidak diketahui