Pengasas Mesir Moden
الاتجاه السياسي لمصر في عهد محمد علي: مؤسس مصر الحديثة
Genre-genre
8
وإلى هذه الحقيقة أشار الباشا مرة في حديث له إذ قال: «عندما هبطت أرض مصر كانت البلاد بربرية وهمجية لأقصى حد، وهي لا تزال كذلك ليومنا هذا، على أنني برغم ذلك ما زلت أرجو أن تكون أعمالي قد حولتها إلى أحسن مما كانت عليه، فلا ينبغي أن تجزع إذا لم تجد في هذه الأقطار شيئا من المدينة المعروفة في الأقطار الأوروبية.»
9
وليس من ريب في أن ثلاثين سنة من حكمه قد أحدثت في البلاد انقلابا سياسيا معدوم النظير، ولكن لا يفوتنا أن جيلا واحدا ليس يكفي لترك آثار دائمة ونتائج ثابتة؛ فإن مجرد عدم توفيق الباشا إلى العثور على العدد الكافي من الأشخاص الذين يعتنقون آراءه ومراميه بالحماسة المنبعثة عن الإخلاص، يضاف إلى ذلك شعوره بالهوة السحيقة التي تفصل بين سياسته وسياسة غيره من الرجال، إن هذا كله قد ادعى بطبيعة الحال إلى إيجاد عناصر الضعف وعدم الثبات في أعماله، وقد أدرك بحق أن كل تحسين يتوقف تنفيذه على سعيه وحده، وإن ما لا يتمه هو شخصيا من الأعمال قد يظل كذلك دون أن يفكر أحد في إتمامه، ومن ثم كان هناك في بداية الأمر بعض نقص في التقدير لأعماله ممزوج بجزء غير قليل من الاستعجال لرؤية نتيجة هذه الأعمال في الحال. وبينما كنت تراه منهمكا في وضع الأسس الراسخة إذا به يتحول منها إلى التعجيل بإقامة أسوار قصر أحلام وهو يقول: «أنا أعلم أنني رجل طاعن في السن؛ فإذا كان هناك ما أرغب في إنجازه فلا بد من إنجازه فورا.»
ولقد تضافرت مؤثرات على تقويض إصلاحاته وتجريدها من القوة الدافعة الدائمة أو لتوجيه نشاطه في غير وجهته المرغوبة، وبالرغم من هذا كله يتعذر على إنسان ما أن يجد حاكما شرقيا نجح نجاح محمد علي في عمل هذه الإصلاحات العظيمة، مع أنه لم يكن مسوقا إليها بضغط أجنبي، بل عمل ما عمله مدفوعا بحب النظام والعدالة والخير. وعلى الرغم من عناد كل من التفوا حوله إن لم نقل مقاومتهم السلبية.
ولم يحدث الباشا تغييرا يذكر في شكل الحكومة التي ظلت تسير طبقا للقواعد التي أظهر الزمن صلاحيتها وملاءمتها لحاجيات البلاد، والتي لم نجرؤ نحن على البدء في تغييرها في المهد إلا من الجيل الماضي؛ فإن وحدة النظام الإداري كانت القرية وكبيرها شيخ البلد الذي يمثل حاكم البلاد في كل صفة، ومن القرى تركبت الأخطاط، ولكل منها حاكم الخط، ومن هذه الأخطاط يتركب المركز تحت حكم المأمور، وقد جعل عدد المراكز 61 مركزا، ومن هذه المراكز تركبت المديريات السبع، ويشرف على كل منها مدير أو حاكم، وتشمل دائرة اختصاص المديرين الأربع والعشرين مديرية التي كانت مصر تتركب منها في عهد المماليك. ولم يكن ثم مندوحة عن وجود هيئة متشعبة الأطراف في المدن الكبرى، وقد كان هناك القضاة ورجال الشرطة المخصوصون للمحافظة على السكينة العامة والحيلولة دون وقوع الجرائم ومعاقبة فاعليها. وقسم الأهالي أيضا حسب مهنهم أو حرفهم إلى طوائف ونقابات ويشرف على كل منها رئيس النقابة؛ ففي القاهرة مثلا كان هناك ما لا يقل عن 64 نقابة من هذا القبيل، وكان كل رئيس مسئولا عن سلوك أعضاء نقابته،
10
وكانت هذه هي القاعدة التقليدية المألوفة في الشرق بأسره في تنظيم أرباب الحرف والصناعات.
ولضمان سير هذه النقابات سيرا يتمشى مع الأمانة والعدالة، لم يكن ندحة عن إبقائها تحت الرقابة الدائمة اليقظة، وبخاصة وأن اعتقاد الجمهور في عدم أمانة الهيئات الرسمية كان متأصلا في نفوسهم، وكانت الغاية المقصودة من هذا النظام الاحتفاظ برئيس مستعد للحيلولة دون ظهور مستبدين عديدين. ولم يترك مشايخ القرى الفرصة السانحة لإرهاق إخوانهم الفلاحين،
11
Halaman tidak diketahui