Pengasas Mesir Moden
الاتجاه السياسي لمصر في عهد محمد علي: مؤسس مصر الحديثة
Genre-genre
9
وتعيين مبلغ محدد للاحتفاظ بقوة عسكرية تحت إشراف ضباط بريطانيين.
ولم يكن «إيلجن» سفيرنا بالآستانة - لسوء حظنا - بالرجل الذي يستطيع إقناع الأتراك بأن مصلحتهم تقضي بالموافقة على ترتيب أمين، برغم أنه كان مكروها في نظرهم. فبدلا من أن يقترحوا شروطا راحوا يقيمون الدليل ناصعا على ما اشتهروا به من نقض العهود؛ ذلك أن قبطان باشا - كما كانوا يسمون الأميرال التركي - أغرى بعض المماليك بالحضور على ظهر ذهبيتين، ومن ثم أمر بإطلاق النار عليهم واعتقل من نجا منهم من القتل. وكادت هذه الحادثة أن تؤدي إلى نشوب القتال بين القوات التركية والقوات الإنجليزية، ولم يطلق الأتراك سراح من وقع بيدهم من الأسرى إلا تحت تأثر التهديد، ومن ثم انسحب البيكوات إلى أعالي الصعيد بعيدا عن متناول يد الأتراك. وبينما كانت هذه المشاحنات والمنازعات قائمة على قدم وساق تم توقيع معاهدة «أمبان» التي قضت بإعادة مصر إلى حظيرة السلطان بتركيا، فأصبح لفرنسا الحق بمقتضى هذه المعاهدة بأن تطالب بجلاء القوات الإنجليزية عنها في الحال.
وبعد عدة محادثات ضعيفة لتسوية مسألة البيكوات ، قنع القائد البريطاني بإصدار أوامر بالعفو عن البيكوات وإعطائهم مديرية أسوان. ومن ثم شرعت الجنود الإنجليزية بعد ذلك تستقل السفن مصحوبة بأحد زعماء المماليك، وهو ألفي بك الذي ذهب لزيارة لندن، وقد عين الميجر «ميسيت» ممثلا لإنجلترا في مصر للإشراف على سير العلاقات بين الأتراك والمماليك، ولبذل كل ما في وسعه لمنع دخول الفرنسيين إليها. وهكذا انتهى الاحتلال البريطاني لمصر في مارس سنة 1803م.
وبديهي أن تعيين ميسيت ممثلا لإنجلترا كان يراد به إحباط دسائس القناصل الذين عينتهم فرنسا بعد توقيع معاهدة إمبان، ثم شرعت الدول المتاخمة لشواطئ البحر الأبيض المتوسط ترسل معتمديها إلى مصر، وحذت حذوها فيما بعد السويد وبروسيا وروسيا.
وقد كان هؤلاء المعتمدون منقسمين إلى فريقين صريحين، ففريق منهم كان يشغل معظم وقته بمراقبة الشئون التجارية، بينما كان الفريق الثاني يعنى بالمسائل السياسية. وبديهي أن هذا التقسيم كان بنسبة أهمية الدول التي كانوا يمثلونها، على أنه لم يكن في بداية القرن التاسع عشر من الشئون السياسية ما يستحق الاهتمام.
ولهذا كان القناصل العموميون من أمثال صولت ودورفيني يقضون الوقت في جمع التحف القديمة مثل ما يقضونه في تمثيل مصالحهم الوطنية، ولكن أصبحت لأعمالهم السياسية منذ سنة 1830م فصاعدا أهمية جديدة، وصاروا في الواقع - وإن لم يكونوا في الشكل - معتمدين سياسيين حقيقيين لدى بلاط الباشا، مهمتهم توجيه أعماله إلى ما يطابق سياستهم الوطنية، وقد أصبح بعضهم أصدقاء حميمين لمحمد علي، لا بل أن نفوذ الكولونيل كامبل الشخصي كان له أثر كبير في تكييف إدارة حكومة محمد علي، إن لم نقل في تكييف سياسته الخارجية.
وقد ترتب على رحيل الإنجليز أن خلا المسرح لسلسلة من الدسائس، ولنصب أشراك المؤامرات بشكل مقطوع النظير. فقد كان الأمر البادي للعيان أن هناك حزبين يتطاحنان في سبيل الاستيلاء على مصر، وهما الأتراك والمماليك، ولكن كانت الأمور في الواقع أعقد من ذلك بكثير؛ فقد كان الأتراك أنفسهم منقسمين إلى فريقين: فريق كان يأتمر بأوامر خسرو باشا المعين من قبل السلطان ليحكم مصر، والفريق الثاني وهم الألبانيون كانوا لا يأتمرون إلا بأوامر زعيمهما طاهر باشا ومحمد علي. كذلك كان المماليك شطرين، أحدهما يناصر البرديسي والثاني يؤازر الألفي، وكان كل من هذه الأقسام الأربعة أشد ميلا لسحق الأقسام الأخرى بدلا من تكاتف الجميع لدفع الخطر المشترك. ولهذا كانت احتمالات الائتلاف كثيرة؛ لأن الإنسان كان وقتئذ يمكنه أن يتكهن التكهن المعقول الممكن، وهو أن قسما من هذه الأقسام الأربعة ما كان ليستطيع البقاء طويلا بمفرده.
وكان خسرو باشا أول من اختفى من على المسرح السياسي، فعندما عين فيما بعد صدرا أعظم للإمبراطورية وصفه الساسة الغربيون بأنه «رجل متوحش وأمي ولكنه ذكي ومقدام.»
ولكن تبين في عام 1803م أن أخلاق خسرو لم تسم إلى هذا المستوى الراقي، وإنما وصف وقتئذ بأنه جاهل في الحرب والسياسة أو الإدارة تمام الجهل، ولا يعرف من هذه الفنون سوى حز الرقاب.
Halaman tidak diketahui