Sejarah Mesir di Zaman Khedive Ismail Pasha
تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا
Genre-genre
ولما كانت السكك الحديدية والتلغرافات أكبر وسائل للمواصلات أوجدها العلم الحديث، كان من البديهي أن يخصها (إسماعيل) بأكبر جانب من عنايته في سبيل إحياء الزراعة من مواتها.
فلما ارتقى العرش المصري، لم يكن في القطر كله سوى الخط الحديدي الواصل ما بين الإسكندرية ومصر وطوله مائة وثلاثون ميلا؛ والخط الواصل ما بين بنها والزقازيق وطوله أربعة وعشرون ميلا؛ والخط الواصل ما بين مصر والسويس عن طريق بلبيس وطوله تسعون ميلا؛ أي ما كان مجموعه مائتين وأربعة وأربعين ميلا.
فزاد، هو، على ذلك أكثر من ألف ومائة ميل، فإنه هو الذي أنشأ الخطوط: من بولاق إلى اتياي البارود؛ ومن الإسكندرية إلى رشيد؛ ومن طنطا إلى دسوق، وإلى زفتى، وإلى دمياط، وإلى شبين الكوم؛ ومن الزقازيق إلى المنصورة؛ ومن بنها إلى ميت بره؛ ومن قليوب إلى القناطر؛ ومن الزقازيق إلى الإسماعيلية والسويس على محاذاة الترعة البحرية؛ ومن أبو كبير إلى الصالحية؛ ومن مصر إلى حلوان، وإلى المرج؛ ومن بولاق الدكرور إلى أسيوط؛ ومن الواسطى إلى الفيوم؛ ومن أسوان إلى الشلال الأول؛ علاوة على ستين م يلا تحويلات، وإذا عرفنا أن النفقات اللازمة لمد ميل واحد من هذه السكك كانت تبلغ، عادة، نيفا وأحد عشر ألف جنيه، فإنا لن نستغرب أن يكون ما صرف على إنشاء جميع هذه الخطوط قد تجاوز الثلاثة عشر مليونا من الجنيهات.
على أن ما هو أهم من أمر إنشاء السكك الحديدية، أمر إصلاح إدارتها؛ فقد كانت في أيام عباس، بل في أيام سعيد عينها، فوضى لا ضوابط لها: يركب المسافر في قطاراتها، وهو غير متأكد من صدق مواعيد قيامها، ولا من بلوغه المكان الذي يقصده، لكثرة ما يعتور القيام والطريق من عراقيل وموانع، فقد يكون القطار على أهبة السفر من محطة الإسكندرية مثلا، فيأتي ناظر المحطة رسول من قبل قنصل من القناصل العامة، أو خصي من لدن أحد الباشاوات، أو البيكوات الأتراك، ويأمره بتأجيل ميعاد قيام القطار ريثما يأتي القنصل أو الباشا أو البيك، أو حرم أحدهما، فيؤجل الناظر الميعاد، ويقيم المسافرون على أحر من الجمر في انتظار مجيء حضرة القنصل أو سعادة السري التركي وحرمه؛ وربما طال انتظارهم ساعات، وقد يكون القطار مسافرا، فتتعطل عدته؛ أو يخرج عن الخط لجهل السواق؛ أو يصادفه مانع آخر، كإرسال أحد باشاوات الريف رسولا إلى إحدى المحطات ينبئها بحجز القطار لحين تشريفه، فيقف في الطريق ساعات وساعات؛ وأحيانا، أياما، ريثما يزول أو يزال ذلك المانع.
ويحكى، في هذا الموضوع، أن القطار تعطل مرة في محطة طنطا وفيه تجار من الإنجليز قادمون من الهند وذاهبون ببضائعهم إلى الإسكندرية؛ فبعد أن عيل صبرهم من طول الانتظار، ذهبوا ليبثوا شكواهم من التأخير إلى ناظر المحطة، وكان إنجليزيا؛ ولكنه تزيا بزي البلاد وتقمص في عوائدها؛ وتظاهر بعدم معرفة غير التركية والعربية فرارا من شكاوى الأجانب - لا سيما من بني جنسه - الكثيرة ؛ وابتغاء للتمتع بقلة الاهتمام بالأمور وعدم المبالاة بتضييع الوقت، الخصيصتين بنا، معشر الشرقيين، في تلك الأيام؛ واتخذ لنفسه مترجما بينه وبين الغربيين - فوجدوه في حجرته، جالسا على أريكة، يدخن شيشة عجمية، ولا يعنيه من الدنيا إلا التلذذ بها والنظر إلى الدخان المتصاعد منها في الفضاء، على هيئة أنصاف دوائر، فأفرغوا جعبة تشكياتهم أمامه بالإنجليزية؛ ومترجمه المصري يترجمها له بالعربية، وهو لا يبالي بها ولا يزداد إلا تدخينا، كأنه لا يفهم الإنجليزية ولا العربية؛ أو كأن الحديث غير موجه إليه، فاحتدم غيظ أولئك التجار، وقالوا للمترجم: «قل لشيخك هذا الأبله أن يبطل جعل نفسه مدخنة، ويلتفت إلى ما نحن فيه؛ وإلا شكوناه إلى قنصلنا العام بالإسكندرية، ورجوناه أن يطلب من سمو الوالي، أن يركله من وظيفته ركلا!» فضحك الناظر، بين أسنانه، لما سمع ذلك؛ ولكنه استمر متظاهرا بعدم فهمه الإنجليزية، واستمر على عدم مبالاته بقولهم، بعد أن ترجمه مترجمه له، ولم يتنازل إلى إجابتهم عن لسانه إلا بعد مدة، ليقول لهم: «على رسلكم! تمهلوا فالأمور مرهونة بأوقاتها!» وأضاف، لكي يثبت لهم أنه شرقي تماما، التعبير الشرقي المتداول، عادة، على الألسن، لحمل قليل صبر على الصبر؛ وهو: «إن الله خلق العالم في ستة أيام!» فخرجوا من حضرته وهم يلعنونه ويحرقون الأرم.
وكان (سعيد)، بعد إعراضه عن نوبار مدة ثم إقباله عليه، قد عهد إلى ذلك الرجل الحازم - ولم يكن، حينذاك، إلا بيكا - أمر إدخال الإصلاح في تلك الإدارة المختلفة،
13
فبذل نوبار جهده، ولكن الخلل كان متأصلا أيما تأصل، فلم يستطع تلافيه تماما، لا سيما أن السكك الحديدية كانت ملكا للوالي، وكان تقلب أهواء (سعيد) السريع، من جهة؛ وميله، من جهة أخرى، إلى إرضاء ذوي الدالة من التجار الغربيين، والذوات، ومهزاريه، والقناصل العامة خاصة، ولا سيما ساباتييه، القنصل الفرنساوي الذي كان سعيد يقول عنه، هو نفسه، إنه لم يكن يستطيع مقابلته إلا ويشعر بوجف غريب في قلبه وتهيب يحمله على الرضوخ لطلباته، أية كانت
14 - يحولان دون استتباب قدمي إصلاح قطعي عام.
واستمرت الحال كذلك في أيام (إسماعيل) الأولى: لأن مفتشي مزارعه وكبار مستخدمي دائرته الخاصة، لعلمهم أن السكك الحديدية، بالرغم من كونها مصلحة عامة، ملك خاص به، كثيرا ما كانوا يتجاوزون حدود الاعتدال في تصرفاتهم مع إدارتها، لا سيما في مواسم القطن، فيحتكرون القطارات، ويعطلون سفر بضائع التجار عامة، حتى يفرغوا من شحن بضائع مولاهم الخاصة وتسفيرها؛ فيصيب التجار، من جراء ذلك، خسائر جسيمة، لتأخرهم الاضطراري عن تسليم بضائعهم في الأوقات المحددة لتسليمها، ويحمل الغيظ بعضهم أحيانا، على ارتكاب أعمال قحة، يعضدهم قناصلهم فيما بعد، على الخروج منها بدون أذى. مثال ذلك ما فعله أحد تجار اليونان، فإنه، لما أيقن أنه، بسكوته على تصرفات أولئك المفتشين والمستخدمين، وتأخره عن تسليم الأقطان التي اشتراها إلى المحلات التجارية التي باعها لها، قد تصيبه خسائر فادحة ربما ذهبت بكل ثروته، استأجر عدة أشخاص من بني جنسه، وأقامهم على المحطة المكدسة أكياسه فيها؛ ولما وصل قطار البضاعة المحمل أقطان سمو الوالي، أوقفه، بواسطتهم عنوة؛ وأفرغ مشحونه؛ وشحن أقطانه فيه بدله؛ وأجبر سواق القطار، إرهابا، على السير بها إلى الإسكندرية.
Halaman tidak diketahui