Sejarah Mesir di Zaman Khedive Ismail Pasha
تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا
Genre-genre
وفي اليوم التالي، وكان يوم الجمعة سابع عشر أبريل، صلى السلطان الصلاة الجامعة، بأبهة وجلال عظيمين، خارجا وراجعا منها، ممتطيا فرسا ضليعا أصيلا، في موكب تحف به فخامة وعظمة، يزيد في كمال مظهرهما ما في لباس عبد العزيز من البساطة، وكان عبارة عن كسوة إفرنجية تزين صدرها أنسجة حمراء فقط؛ وليس على طربوشه أية علامة تميزه عن غيره؛ بينما ملابس أمراء بيته ووزرائه وكبار رجال حاشيته موشاة بالمذهبات الساطعة؛ محلاة بالنياشين اللامعة.
وبعد الفراغ من صلاة الجمعة، والإحسان بجانب عظيم من النقود على فقراء الإسكندرية، وخدمة مساجدها، عاد عبد العزيز إلى سراي رأس التين، وتناول طعام الغداء، ثم استراح قليلا، ريثما انتصفت الساعة الثالثة بعد الظهر.
حينذاك نزل هو وأمراء بيته وكبار دولته ورجال مابينه، يرافقهم (إسماعيل باشا) وأمراء بيته وكبار دولته، في الزوارق المعدة لهم، فذهبت بهم إلى اليخت السلطاني «فيض جهاد» وسفن الأسطول المرافقة له، بينما كانت الطوابي والبواخر الراسية في البوغاز (ومن ضمنها المركب الإيطالية المسماة ڨيكتور عمانويل، المرسلة من قبل ملك إيطاليا الملقب بالملك الحلو الشمائل، لتشترك في تعظيم الخاقان العثماني) وقلاع الساحل لغاية المكس والعجمي من جهة؛ ولغاية سيدي بشر وأبي قير من الجهة الأخرى، تطلق مدافعها تحية وإجلالا؛ وبينما الجماهير يكتظ بها الشاطئ وهي هاتفة مهللة! فصعد السلطان إلى يخته يصحبه (إسماعيل) وصعد باقي الأمراء إلى سفنهم؛ وأخذت المراكب تستعد للرحيل.
فتقدم (إسماعيل) إلى توديع عبد العزيز، فقال له السلطان: «إني أعيد لك تشكراتي القلبية على ضيافتك البهية لي ولآل بيتي، وأؤكد لك أني لن أنسى زيارتي لهذه الديار ما حييت؛ وأؤمل أن الشعب المصري، بفضل عنايتك واهتمامك وغيرتك على مصالحه، سيزداد رخاء وسعادة، وإني في كل سانحة سأشمله بتعطفاتي هو وأميره الجدير بها».
فانحنى (إسماعيل) وشكر وأثنى، ثم أذن له السلطان بالانصراف، فنزل إلى زورقه، وأخذت السفن العثمانية تبتعد رويدا رويدا عن الأرض المصرية، والأرض المصرية ترتج ارتجاجا في توديعها، حتى توارت عن الأبصار!
هكذا انقضت الزيارة السلطانية للقطر المصري! وهكذا مرت أيامها العشرة البهية! ولم يبق أثر منها في البلاد، بعد ذكراها، سوى اسم (عبد العزيز) الذي أطلق على أحد شوارع العاصمة، إحياء لتلك الذكرى؛ وسوى النياشين؛ والألقاب والرتب التي فاضت بها التعطفات السلطانية على كبار الموظفين المصريين!
أسفا! هل كان يدور في خلد الأمراء، عائشى تلك الأيام وأعيادها، أن الأقدار ستنسج، لكل منهم، خيوط مأساة سوداء: فلا تمضي أربع عشرة سنة إلا ويتدهور عبد العزيز عن عرشه الرفيع إلى سجن ضيق، لا تلبث أيدي الإثم، أياما، إلا وتسلبه الحياة فيه، بقص شرايين ذراعيه واستصفاء دمه - ولا يرفع مراد على الأكف سلطانا، إلا ليزج به في حبس انفرادي، يوافيه الموت الخفي فيه بعد ثلاثين سنة، وليس بين الرفع والسقوط إلا ما يوشك أن يكون طرفة عين! - ثم لا تمضي ست عشرة سنة وبضعة أشهر إلا ويصدر أمر عبد الحميد بخلع الخديو الأول (إسماعيل) عن عرش مصر السني؛ فيخرجه إلى منفى، مر مذاقه؛ وحياة معكرة أيامها، بعد الإقامة على أوج العز الأقعس، وفي نعيم الحكم المطلق، والرخاء غير المحدود! ولا تمضي خمس وأربعون سنة إلا وتثل ثورة عسكرية عرش عبد الحميد عينه وتخرجه بدوره ليذوق حرقة السجن ومرارة المنفى، وألم التسيير، قسرا، من حبس إلى حبس؛ ومن اعتقال سري إلى اعتقال سري؛ ويموت، أخيرا، موت صعلوك، لا يكاد أحد يلتفت إليه، كأنه لم يكن السلطان الرهيب، الذي لبثت ترتعد الفرائص، ثلاثة وثلاثين عاما، لدى ذكر اسمه! ولا تمضي إحدى وخمسون سنة إلا ويرى رشاد نفسه وقد كان سجنه أخوه عبد الحميد ثلاثا وثلاثين سنة، بعيدا عن كل مظاهر العالم، لا يدري ما فيه، حتى إذا جاءت الثورة العسكرية، وجدته شيخا هرما؛ فأخرجته من حبسه وهو لا يكاد يصدق؛ وأجلسته على عرش أجداده، وهو كأنه في منام، أميرا للمؤمنين مدخلا رغم أنفه في الحرب العالمية العظمى بعد أن داهمته، مرغما أيضا، الحرب الطرابلسية وحرب البلقان: فيرى أنه لم يرتق عرش أجداده إلا وقد جرد هذا العرش من كل ديباج وخز؛ وأصبح سريرا خشبيا، كله شظايا تجرح الجسم، وأشواك هموم واخزة تحيط بالجالس عليه، بدلا من أزهار اللذات السالفة! ولا تمضي اثنان وخمسون سنة إلا وتقتل يد أثيمة، صبرا وغدرا، يوسف عز الدين، ذلك الذي كان في تلك الأيام شابا في مقتبل ربيع حياته، وكانت الدنيا تبتسم له ابتساماتها كلها في ظل سلطة أبية العليا ومقامه الأرفع! ...
ألا أف للدنيا! ما أكذب مظاهرها! وما أقصر حياة سرورها ولذاتها!
على أن (إسماعيل) لم يدع فرصة تلك الزيارة السلطانية تمر، دون أن يحاول الانتفاع منها لتقديم أمنياته في سبيل تحقيقها.
فاستهواء لنفس عبد العزيز وحملا لها على مساعدته في المستقبل، كل المساعدة الممكن توقعها، لم يكتف بما بذله له بسخاء فائق، من مسببات الارتياح والسرور، وبأخذه على نفقات جيبه الخاص، كل المصاريف التي عن لضيوفه صرفها، وهم في ضيافته؛ بل بالغ في تقديم الهدايا والتحف الفاخرة وتنويعها، حتى ملأ بها سفينة برمتها، لعبد العزيز عينه، ولأمراء بيته السلطاني، وكبار رجال دولته، وزود فؤاد باشا، الصدر الأعظم، وقت فراقه، بمبلغ ستين ألف جنيه ليجعله عونا له، وطوع بنانه.
Halaman tidak diketahui