ليس لك وسيلة أفضل من أن تبعث أحد مماليكك وتأمره بقتله وأنا أجعل له جميع ما يتركه من المال والنساء مكافأة لأتعابه.
فوافقه على رأيه، وعين لتلك الفعلة أول يوم يجتمع فيه الديوان. وأمر مملوكه «ذو الفقار» أن يستعد لإجرائها، فقبل اعتمادا على وعد الباشا. ففي اليوم المعين، جاء «ذو الفقار» إلى الديوان وفيه «إسماعيل بك» فتقدم إليه وقبل يده قائلا: أرجو أن تأمر بإرجاع عقاري إلي. فأجابه «إسماعيل بك» سننظر في طلبك هذا. فألح عليه، فانتهره، فاستل خنجرا ماضيا بقر به بطنه، فتدفقت أمعاؤه، ومات ساعته في وسط الديوان، فهجم رجال الباشا، وقتلوا كل من كان هناك من رجال إسماعيل، ولم ينج منهم إلا سريع العدو. هكذا كانت نهاية حكم إسماعيل بك سنة 1136ه فنقلت جثته إلى بيته، ثم دفنت بجانب جثة أبيه بجوار باب اللوق.
فتولى مشيخة البلد «شركس بك» واستولى «ذو الفقار» على جميع ممتلكات «إسماعيل بك» ونسائه حسب وعد الباشا فأصبح رجلا عظيما يشار إليه بالبنان، وفي حوزته مئات من المماليك، فخافه «شركس بك» وأخذ يسعى في إذاقته ما أذاقه لإسماعيل بك. فعلم «ذو الفقار» بتلك الدسائس، فجمع إليه رجاله، وفيهم عدة من رجال العثمانيين، وهجم على شركس بك، فجرت واقعة لم يستطع رجال شركس الثبات فيها أكثر من ربع ساعة فقتل معظمهم، وفر الباقون، وزعيمهم معهم يطلبون الصعيد وهو الملجأ الوحيد للبكوات المغضوب عليهم. (2-3) ذو الفقار بك
فتولى ذو الفقار مكانه مع لقب بك، بعد أن أقر الباشا على ذلك، وأصبح ذو الفقار عدوا لأترابه البكوات، وعلى الخصوص لأبي دفية، وسمي بذلك لأنه كان يتشح برداء كبير يقال له دفية، ثم أنبئ «ذو الفقار بك» أن أبا دفية ساع في إهلاكه، وحاول ذلك مرارا ولم ينجح.
أما «شركس بك» فجمع دعاته في الصعيد، وسار بهم نحو القاهرة، فأرسل «ذو الفقار بك» «عثمان كاشف» أحد كبار قواده في فرقة من المماليك لمحاربته، فتقهقر «شركس» ورجاله فرارا حتى لحق ببلاد البربر.
فسكر «ذو الفقار» من خمرة النصر، وأخذ في الانتقام من البكوات الذين في القاهرة، وقتل منهم من يظن فيه الانتماء إلى «شركس بك»، وهم كثيرون. فاتحد من بقي حيا مع رئيس الشرطة، والأغا رئيس الإنكشارية، وبعثوا إلى شركس بك بما كان من فعلة «ذي الفقار» وتعاهدوا جميعا على محاربته، وانضم إليهم «مصطفى القرد» وكان من أعداء ذي الفقار ومعه جماعة من الرجال الأشداء، فقدم «شركس بك» إلى القطر المصري، فعلم «ذو الفقار» بذلك، فجمع إليه العلماء والمشائخ، وشاورهم في الأمر، فأجمعوا على عدم مناسبة الهجوم في تلك الحال، إلا إذا تأكد الفوز، فلم يصغ لمشورتهم، فأرسل «عثمان بك» أحد قواته لمحاربة «شركس بك»، فحصل بينهما واقعة، قتل فيها «مصطفى القرد» وغرق «شركس بك» في النيل وهو يحاول الفرار.
فبعث «عثمان بك» برأسيهما إلى «ذي الفقار». أما هذا فلم يهنأ بذلك النصر لأنه قتل بعد قتل عدوه «شركس» بيومين، بمكيدة أعدها له البكوات في القاهرة وذلك أنهم ألبسوا واحدا منهم دفية، وجاءوا به إلى بين يدي «ذي الفقار» وقالوا له: «هذا أبو دفية قد جعله الله في أيدينا.» وكانوا قد جعلوا تحت دفيته عيارين ناريين، فلما وقف بين يديه، أطلقهما دفعة واحدة، فسقط «ذو الفقار» مضرجا بدمائه في وسط ديوانه سنة 1142ه، فعلم «عثمان بك» بما أصاب رئيسه، فهرع للأخذ بثأره، فدخل القاهرة، وجعل يفتك بمن يصادفه في طريقه، فخافه الجميع.
ثم إن «محمد بك» أحد البكوات الذين كان يترقبهم «عثمان بك» رأى منصب مشيخة البلد خاليا فطمع فيه، فعاهد صديقه «صالح كاشف» على أن يقتلوا من بقي من زملائه البكوات بمكيدة ينصبها لهم. فأدب «محمد بك» مأدبة فاخرة دعاهم إليها، فلبوا دعوته. ثم علموا بمكيدته فقاوموه مقاومة شديدة وتمكنوا من قتله. فيئس «صالح كاشف» من مرامه، ففر إلى القسطنطينية بعد أن شاهد رءوس البكوات ملقاة على الطريق أمام جامع الحسين.
ثم عقب هذه القلاقل ضربة أشد وطأة؛ نعني الوباء الذي أصاب مصر في تلك السنة، ويدعى طاعون الكي، فإنه انتشر في البلاد انتشارا سريعا، وفتك في العباد فتكا ذريعا ووافق كل هذه الضربات خلع السلطان أحمد الثالث في جمادى الأولى سنة 1143ه. (3) سلطنة محمود بن مصطفى
من سنة 1143-1168ه ومن 1730-1754م
Halaman tidak diketahui