مقدمات تمهيدية
التاريخ العام
مزايا التاريخ الإسلامي على سائر التواريخ
موضوع هذا الكتاب
تاريخ مصر العثمانية
المعركة الفاصلة بين الجيشين
الدور الأول من تاريخ مصر العثمانية
الدور الثاني من سيادة الدولة العثمانية على مصر
الدور الثالث لسيادة الدولة العثمانية على مصر أو علي بك الكبير
الدور الرابع من سلطنة العثمانيين على مصر
Halaman tidak diketahui
مقدمات تمهيدية
التاريخ العام
مزايا التاريخ الإسلامي على سائر التواريخ
موضوع هذا الكتاب
تاريخ مصر العثمانية
المعركة الفاصلة بين الجيشين
الدور الأول من تاريخ مصر العثمانية
الدور الثاني من سيادة الدولة العثمانية على مصر
الدور الثالث لسيادة الدولة العثمانية على مصر أو علي بك الكبير
الدور الرابع من سلطنة العثمانيين على مصر
Halaman tidak diketahui
مصر العثمانية
مصر العثمانية
تأليف جرجي زيدان
مقدمات تمهيدية
التاريخ الإسلامي بالنظر إلى سائر التواريخ
التاريخ العام
التاريخ العام، عبارة عن الحوادث التي رافقت الإنسان في أول وجوده إلى الآن أو ذكر ما انتاب الأمم من التقدم أو التأخر والصعود أو الهبوط في السياسة والاجتماع، أو هو بيان تدرج البشر في المدنية؛ ولذلك فهو مقصور على الأمم التي كان لها شأن في ترقية الهيئة الاجتماعية.
وقد عبر بعضهم عن التاريخ بقوله إنه الفلسفة مشروحة بالأمثال حتى تكون حوادث المتقدمين عبرة للمتأخرين.
والتاريخ العام يقتضي معرفة أخبار الناس من أول عهد الإنسان إلى الآن. وهذا غير ميسور لأن ما وصل إلينا من حوادث البشر إنما هو جزء صغير جدا في تاريخهم. والإنسان لم يدون تاريخه إلا بعد أن وفق لاختراع الكتابة. وهو لم يوفق إليها إلا بعد التدرج في الرقي أدهارا، ظهرت في أثنائها دول وأمم انتشبت بينها الحروب، وعقدت المعاهدات، وذهب العقلاء في أثنائها مذاهب في الفلسفة. فهذه كلها ذهبت أخبارها فلم يصلنا منها شيء، حتى أسماء تلك الأمم، فإنها ضاعت. وإنما استدللنا على وجودها من ثمار أعمالها، أو بما خلفته من الأدوات أو الأحافير أو الخرائب.
وعلماء التاريخ لا يعدون تلك المعرفة تاريخا؛ ولذلك سموا المدة التي قضاها الإنسان قبل تدوين أخباره «الزمن قبل التاريخ » وهو أطول كثيرا في زمن التاريخ تقدم فيها الإنسان شوطا بعيدا في سلم المدنية والارتقاء العقلي. وفيها تألفت الهيئة الاجتماعية ووضعت سنن الزواج والإرث، وانتظمت العائلة. وفيها شكلت الحكومات، وأنشئت الأديان. وفيها حدثت أهم الاختراعات والاكتشافات التي بنى عليها البشر رقيهم في زمن التاريخ؛ لأن في تلك الفترة المظلمة، اخترعت الكتابة، واستنبط الطبخ والعجن والخبز والغزل والنسيج والخياطة والبناء، واكتشفت النار والملح، وهما من أهم الاكتشافات.
Halaman tidak diketahui
من لنا بمن يخبرنا عن مخترع الكتابة الصورية لنشيد له تذكارا، أو مخترع الإبرة لننصب له تمثالا، بل لو عرفنا مكتشف النار؛ أي أول من ولد النار بالفرك، لحق له علينا الإكرام الجزيل. إن ذلك وأمثاله من أعمال الإنسان قبل زمن التاريخ لا يدخل في علم التاريخ ولا إلى معرفته سبيل إلا بالتخمين.
أما زمن التاريخ فهو الذي عرفنا أممه وقبائله ودوله وبعض حوادثه، إما من الكتب التي وصلت إلينا أو من النقوش التي قرأناها في الآثار أو من أحوال أخرى. وهو لا يتجاوز في مدته ستة آلاف سنة، نصفها الأول ناقص، وأكثره مبني على الحدس والتخمين، والنصف الآخر محشو في أوائله بالمبالغات أو الخرافات، ولكن أكثره ثابت لرجوعه إلى النصوص التاريخية بعد شيوع الكتابة. (1) ما معنى لفظ تاريخ؟
وقبل التقدم إلى ذكر أقسام التاريخ؛ نتكلم عن أصل هذا اللفظ في العربية. وقد اختلفت الأقوال فيه؛ فذهب جماعة إلى أنه فارسي، وقال آخرون إنه يوناني. وتكلفوا في تخريجه تكلفا نحن في غنى عنه لأن اللفظ عربي، وفي القاموس «أرخ الكتاب يأرخه أرخا: وقته»؛ أي عرف وقته. ثم تفرع المعنى فصاروا يدلون بها عن علم التاريخ أي ذكر الوقائع والحوادث. ولعل سبب الشك في كون هذا اللفظ عربيا أن العرب أخذوا التاريخ عن الفرس. وقيل لهم إن اسمه عند الفرس «ماه روز» فعربوها «مؤرخ» ثم اشتقوا منها مصدرا «تاريخ» وهو تكلف لا حاجة بنا إليه؛ فدفعا لكل شك في كون هذا اللفظ عربيا نأتي بأشباهه من أخوات اللغة العربية.
فهو في العبرانية «يرخ» ومعناه: القمر ، ومثلها «يرحا» في السريانية لنفس هذا المعنى ونحو ذلك في الكلدانية والأشورية. وهي أيضا تدل عندهم على الشهر؛ لأن حسابهم كان قمريا. وكذلك الشهر والقمر في العربية بمعنى واحد، ولا عبرة في إبدال الخاء «حاء» بين العربية وأخواتها، فإنه عادي فيها. ومن بقايا دلالة «يرح» أو «أرخ» على القمر في العربية، قول العرب «راح» أي ذهب أو جاء في العشي؛ أي في نور القمر. والمعنى راجع إلى العشي بدون تقييد بالذهاب أو المجيء، مثل قولهم أصبح وأمسى. ثم غلبت فيها الدلالة على الذهاب في العشي ثم صارت تدل على مطلق الذهاب. وقد يكون اللفظ الواحد معناه القمر في إحدى هذه اللغات، والشهر في اللغة الأخرى، فإن «سهر» في السريانية معناها قمر في العربية وهو «الشهر» بإبدال السين شينا. وقد بقي في معناها الأصلي في العربية «الساهور» وهو القمر أو غلافه. والخلاصة أن لفظ التاريخ عربي الأصل والاشتقاق. (2) أقسام التاريخ العام
اختلف المؤرخون في تقسيم زمن التاريخ وتبويبه. والأكثر يرون قسمته إلى ثلاثة أقسام؛ الأول: التاريخ القديم ويبدأ بأقدم الأزمان، وينتهي عند سقوط رومية سنة 476 للميلاد. والقسم الثاني: القرون الوسطى أو المظلمة، وهي تمتد من هذا التاريخ إلى اكتشاف أميركا سنة 1492 مسيحية. والثالث: التاريخ الحديث، من اكتشاف أميركا ولا يزال.
ذلك هو تقسيم التاريخ العام عند كتاب الإفرنج، وهو في اعتبارنا تقسيم ناقص، مبني على الأحوال التي توالت في أوربا وأميركا، ولا يدخل فيها من تاريخ الشرق إلا الدول القديمة في مصر وبابل وفينيقية وغيرها من التمدن القديم. ولم يراعوا فيه الانقلابات السياسية العظيمة التي توالت في الشرق بعد ذهاب تلك الدول، وكان لها تأثير كبير في تاريخ العمران في سائر أنحاء العالم المتمدن.
أما أقسام التاريخ العام بالنظر إلى الشرق وأممه ودوله، فإنه في نظرنا يقسم إلى قسمين كبيرين، أو هما شطران؛ شرقي وغربي، نعبر عنهما بتاريخ الشرق، وتاريخ الغرب. ونقصد بالشرق آسيا على الإجمال ومعها وادي النيل وما يليه من البلاد التي تمدنت قديما في أفريقيا، ونعني بالغرب أوربا وأميركا وما يلحقهما.
ولكل من هذين الشطرين ثلاثة أطوار أو أعصر تتشابه في التقسيم ولكنها تختلف في الزمن، لكل منها عصر قديم وعصر متوسط وعصر حديث، لكن الشرق متقدم فيها على الغرب وسابق منه في عوامل المدنية.
فتاريخ الشرق القديم يمتد من أقدم الأزمنة إلى فتح الإسكندر المكدوني بلاد فارس سنة 331 قبل الميلاد.
وتاريخه الأوسط أو قرونه الوسطى أو المظلمة تمتد من فتح الإسكندر إلى ظهور الإسلام سنة 622 للميلاد أو السنة الأولى للهجرة.
Halaman tidak diketahui
وتاريخه الحديث يبدأ بظهور الإسلام ولا يزال. ثم إن تاريخ الإسلام ينقسم إلى عصور سيأتي بيانها.
أما تاريخ الغرب القديم فيبدأ من أول تمدنه نحو القرن الخامس عشر قبل الميلاد في بلاد اليونان. وقد اقتبس أصول تمدنه من أمم الشرق القديمة في مصر وفينيقية وبابل وغيرها، وينتهي بسقوط رومية سنة 476م. وسبب انقضائه، هجوم البربر، بدو شمال أوربا «قبائل الجرمان» على المملكة الرومانية. وفي أثنائه دخل الشرق في أجياله الوسطى بسقوط دولة الفرس، كما تقدم.
وتاريخ الغرب الأوسط هو عصر الظلمة أو القرون الوسطى في أوربا. يبدأ بسقوط رومية، وتسلط البربر إلى بزوغ نور التمدن الحديث بعد اكتشاف أميركا سنة 1492م. وقد أغفل فيه الغربيون علوم أسلافهم اليونان. ونهض الشرق في أثنائه من عصوره المظلمة بظهور الإسلام وقيام دولة العرب، فأخذوا تلك العلوم وترجموها.
فتاريخ الإسلام هو تاريخ الشرق الحديث، وبه نهض الشرق من غفلته واستعاد رونقه ومجده، وامتد سلطان المسلمين على أضعاف ممالك أسلافهم الشرقيين، وخفقت أعلامهم على مماليك الفراعنة والفينيقيين والآشوريين والبابليين والفرس والأرمن والهند والترك والمغول والمغاربة وسائر بلاد المشرق، وقسم من أوربا؛ في إسبانيا وفرنسا وإيطاليا، مما لم يسبق له مثيل. (3) أقسام تاريخ الإسلام
يقسم تاريخ الإسلام إلى خمسة أعصر: (1) «عصر التكون والنمو»: من ظهور الإسلام إلى آخر الدولة الأموية بالشام وهو عصر الفتوح في الدولتين، أو العصر العربي. (2) «عصر البلوغ»: من أول الدولة العباسية 132ه إلى تغلب الجند التركي سنة 222 للهجرة. وهو يشتمل على إبان الدولة العباسية، وفيه نشأ الأدب، ونقلت علوم القدماء إلى العربية . وهو عصر الإسلام الذهبي، ويعرف بالعصر الفارسي؛ لأن الدولة فيه كانت بأيدي الوزراء الفرس. (3) «عصر التفرع والتشعب»: من تسلط الأتراك إلى سقوط بغداد. وفيه تفرعت هذه الدولة إلى دول من أمم مختلفة في أنحاء مختلفة. ونشأت دول جديدة كدولة الفاطميين بمصر والأمويين بالأندلس والسلاجقة في الشام وغيرها. ونشأت سائر دول الأتراك والأكراد والفرس وغيرهم. (4) «القرون الإسلامية الوسطى»: من سقوط بغداد إلى أوائل القرن التاسع عشر. (5) «النهضة الأخيرة»: من أوائل القرن الماضي، ولا تزال. وهي مقتبسة من تمدن الغرب الحديث.
ويقسم التاريخ على الإجمال أيضا إلى عام وخاص. والعام يتضمن تاريخ البشر عموما. والخاص يشمل التاريخ الخاص المتعلق بموضوع واحد؛ كتاريخ أمة، أو مملكة، أو ولاية، أو مدينة أو دولة أو عائلة أو شخص. والمتعلق بشخص واحد يسمى ترجمة، أو سيرة، أو حادثة مأثورة؛ كتاريخ الإخلاص، ومذبحة المماليك، وحادثة عرابي، وظهور المتمهدي، ونحو ذلك.
ويسمى التاريخ الخصوصي بأسماء تختلف باختلاف موضوعه؛ كتاريخ الكنيسة والتاريخ السياسي والشرعي والقضائي والتجاري والأدبي والعلمي ونحو ذلك.
مزايا التاريخ الإسلامي على سائر التواريخ
فتاريخ الإسلام من التواريخ الخاصة المتعلقة بالأمم أو الدول؛ لأن المراد بها ذكر حوادث الأمة الإسلامية أو الدولة الإسلامية، ومقابلة تاريخ الرومان أو اليونان أو الفرس ونحوهم، لكنه يمتاز عنها بأمور جديرة بالاعتبار، أهمها: (6)
أن تاريخ الإسلام حلقة موصلة بين الشرق والغرب؛ لأنه بامتداد أصحابه إلى أقصى الشرق وإلى أقصى الغرب تمكنوا من الوصل بينهما. وهو أيضا حلقة موصلة بين التمدن الغربي القديم، والتمدن الغربي الحديث؛ لأنه حفظ ما توالى على عوامل التمدن الغربي القديم من التغيير أو التحوير في العلوم الفلسفية والطب مما اشتغل به المسلمون في أثناء تمدنهم، ولا سبيل إلى معرفة ذلك إلا بتاريخ الإسلام. (7)
Halaman tidak diketahui
يمتاز تاريخ الإسلام عن سائر تواريخ الأمم والدول، بما يدخل تحته من تواريخ العناصر المختلفة التي أنقها الإسلام في أواسط آسيا وغيرها، وكانت في حال البداوة أو الهمجية، فساقها إلى المدنية، أو العلم حتى نبغ منها العلماء والفلاسفة ورجال السياسة والإدارة. وأشهرهم الأتراك والمغول والبربر والزنوج.
وهنا نقطة يحسن بنا الوقوف عندها لحظة، لنذكر شيئا عن كل من تلك الأمم: (1) الأتراك
كان الأتراك قبل الإسلام، أهل بادية يقيمون في أواسط آسيا بين الهند والصين وسيبريا. ولم يعرفوا عن أهل الغرب من اليونان أو الرومان إلا قليلا. فكان الفرس يقتنونهم للرق والخدمة، ويتهادونهم كما يتهادون المتاع. فلما جاء العرب وفتحوا بلادهم وجندوهم، نهضوا في جملة الناهضين، وتولوا الإمارات. ثم أنشئوا الدول العظمى في فارس والعراق والشام ومصر وآسيا الصغرى والقسطنطينية وأفغانستان وتركستان. وأشهرها الدولة الطولونية والإيليكية والإخشيدية والغزنوية والسلجوقية بفروعها ودول الأتابكة التي تخلفت عنها. ويزيد عدد الدول الشرعية الإسلامية على ثلاثين دولة. واتسع سلطانهم حتى وطئت خيولهم أواسط أوربا، ونبغ منهم القواد والساسة والفقهاء والكتاب وشادوا القصور والمساجد والمعاهد. وأنشئوا المارستانات والمدارس والتكيات.
وأكثر ما بقي من آثار الإسلام في مصر والشام والعراق من بنائهم، فهؤلاء لا سبيل إلى معرفة أحوالهم إلا بتاريخ الإسلام. (2) المغول
والمغول طوائف رحل، كانوا يقيمون حوالي بحيرة «بيقال» في جنوبي سيبريا. ولم يظهروا للعالم إلا بعد الإسلام. وكانوا قبل ذلك قبائل يعيشون بالغزو والنهب والصيد والقنص.
فلما احتكوا بالمسلمين في تركستان ورأوا دولهم وجيوشهم، عملوا على الاقتداء بهم، حتى عمدوا إلى فتح مملكتهم ففتحوها ببداوتهم وخشونتهم، وأمعنوا فيها قتلا ونهبا وإحراقا على يد جنكيز خان. ولكنهم ما لبثوا أن تحضروا، لمعاشرتهم المسلمين في فارس والعراق. وأنشئوا دولا عظمى حكمت الشرق خمسة قرون ونصف قرن، أشهرها أربع دول كبرى هي دول أقطاي وطلوي وجوجي وجغطاي.
وتفرعت منها دول أخرى امتدت سطوتها وخفقت أعلامها على زنقاريا وبلاد المغول والقبجاق وتركستان. وفتحوا المملكة الإسلامية، وأمعنوا في بلاد فارس والعراق والشام.
ونبغ منهم الساسة والقواد، بعد أن كانوا أهل أوثان، أسلموا وشادوا المساجد والمدارس والمعاهد، وعمروا المدن في أقصى الشرق وأقاموا فيها الأبنية الباذخة، والقصور الشامخة، وغرسوا الحدائق والبساتين وهذه الدول لا سبيل إلى معرفة أخبارها إلا بتاريخ الإسلام. (3) البربر
ويراد بهم أفريقيا الشمالية، وهم قبائل رحل، كانوا قبل الإسلام من الهمجية والجهلة على جانب عظيم، وكانوا أصحاب أوثان، يعتصمون الجبال ويتقاضون إلى الكهان، يكرهون المدنية وأهلها، وقد قاسى اليونان واليونان والرومان من غزوهم ونهبهم عذابا شديدا، ولم يكن لهم شغل غير ذلك، ولاقى العرب أيام الفتح مشقة كبرى في إخضاعهم، فلما خضعوا وأسلموا تجندوا للخلفاء والأمراء، وافتتحوا البلاد، ولاسيما في الغرب فاكتسحوا الأندلس بقيادة طارق بن زياد، وكانوا عونا كبيرا في قيام دولة الأدارسة والدولة الفاطمية، وأنشئوا دولة الملثمين والمرابطين والموحدين والمصامدة وآل زبري وغيرهم مما لا يحصى، وقد جندوا الجنود وبنوا المعاقل وأخذوا بأسباب المدنية ولا وسيلة لمعرفة أخبارهم إلا بتاريخ الإسلام. (4) الزنوج
كان الزنوج، ولا يزال السواد الأعظم منهم، يحملون إلى الآفاق كما تحمل الأغنام - يباعون بيع السلع - فكانوا يرضخون تحت نير المتمدنين، وكانوا يعبدون الحجارة أو الشجر، وبعضهم لا يفهم معنى الدين أو العبادة. وكان المعروف في مواطنهم عند ظهور الإسلام شمالي أفريقيا وبعض غربيها وشرقيها.
Halaman tidak diketahui
فلما انساج العرب في الأرض للفتح أو المهاجرة، ذهبت قبائل منهم إلى أواسط أفريقيا، فضلا عن شواطئها، فاكتسب الزنوج منهم أخلاق الأمم المتمدنة، وأسلموا. ثم انتظموا في الجندية، وتألفت منهم فرق حاربت تحت رايات الخلفاء في بلاط الخلفاء، حتى صاروا من أهل الحل والعقد.
وتولى بعضهم الحكومة، ثم تجندوا لأنفسهم، ونهضوا كما تنهض الأمم الراقية، فألفوا جيشا حاربوا به الدولة العباسية عدة سنين، حتى أقلقوا راحتها. وفتحوا المدن، وكادوا يؤسسون دولة إسلامية كبرى.
على أنهم أنشائوا دولا صغرى في أواسط أفريقيا وغربيها، ونبغ منهم الحكام والقواد، وأشهرهم: كافور الإخشيدي صاحب مصر. وظهر غير واحد من الشعراء ونظموا القصائد الحسنة، ونبغ منهم جماعة من القراء والفقهاء، وتدخل أخبارهم في تاريخ الإسلام.
وقس على ذلك أخبار أمم الشمال: كالكرج والأرمن والأكراد والخزر والصقالبة وغيرهم.
ناهيك بالعرب أنفسهم وتاريخهم قبل الإسلام وبعده، لولا الإسلام لذهبت أخبارهم وأخبار الأمم الإسلامية الأخرى. وأكثر ما يعرفه المتمدنون في هذه الأمم، أخذوا تاريخ الإسلام. (8)
أرخ المسلمون فترة من الدهر، لم يعرف تاريخها لولاهم؛ لأن حوادث ظهور الإسلام وما تلاه من أخبار الفتح وما عقب ذلك من إنشاء التمدن ونشر لواء العلم ونقل الفلسفة وغيرها من علوم القدماء، وما اقتضاه ذلك من التغيير والتبديل، قلما عرف عنه الإفرنج شيئا لولا تاريخ الإسلام. (9)
إن مدة هذا التاريخ أطول من مدد سائر التواريخ؛ لأن الإسلام يشمل دولا شتى إسلامية، إذا انقضت دولة قامت أخرى. ونحن في القرن الرابع عشر من تاريخ الهجرة. وقد توالى في الإسلام مئات من الدول من أمم مختلفة في آسيا وأفريقيا وأوربا. ولا يزال من هذه الدول كثير حتى الآن في هذه القارات. منها الدول الكبرى كالدولة العثمانية والفارسية والدول الصغرى في الهند وجزيرة العرب وأفريقيا.
ولا نعرف أمة طال سلطانها في الأرض مثل هذه المدة. ولا يزال عمر الإسلام طويلا، بل هو في نهضة إصلاحية تساعده على طول بقائه. فهو لذلك يحتوي على تاريخ أطول من سائر التواريخ. (10)
يمتاز تاريخ الإسلام عن سواه أنه يشتمل على تاريخ السياسة والدين والعلم والشريعة. وهذا قلما يجتمع في التواريخ الأخرى.
وتاريخ الفقه الإسلامي لا يدانيه تاريخ فقه لأمة من أمم الأرض بما يدخل فيه من إعمال الفكر واستنباط العقل. وقس عليه تاريخ العلم؛ لأن المسلمين أتوا في نهضتهم العلمية في العصر العباسي بما لم يأته غيرهم في نهضة، فقد اشتغلوا بعلوم اليونان والفرس والهنود والسريان وغيرهم ونقلوها إلى لسانهم وذكروا أخبارها وأحوالها، فضلا عما في اختلاف أجناس المؤرخين من جوامع الفوائد، فإن بينهم العربي والفارسي والتركي والرومي والمصري والسرياني والهندي وغيرهم. ولكل امة مزية، فاجتمعت هذه المزايا في تاريخ الإسلام. (11)
Halaman tidak diketahui
يشتمل تاريخ الإسلام على عبر تاريخية لا يتيسر اجتماع مثلها في تاريخ أمة أخرى؛ لكثرة العناصر والأجناس الداخلة في الإسلام، ولكل منها عادات وأخلاق.
وكان في كتاب المسلمين ميل إلى ذكر الحوادث والإشارة إلى العبرة والوفاء فيها. على أننا لا ننكر ما في تواريخ الأمم الأخرى من المزايا التي قد تمتاز بها على تاريخ الإسلام. (5) تاريخ مصر بالنظر إلى سواه
إن تاريخ مصر من قبيل التواريخ الخاصة؛ لأنه يختص بمصر دون سواها من البلاد، وهو تاريخ طويل؛ لأن مصر من البلاد التي تمدنت قديما، ولعلها أقدم الممالك المتمدنة التي وصل إلينا خبرها. ويقسم تاريخها إلى قسمين كبيرين: قديم وحديث.
فالتاريخ القديم يشتمل على تاريخها من أول عهدها إلى الفتح الإسلامي، ويدخل فيه تاريخ دول الفراعنة، وينتهي هذا بفتح الإسكندر الإسكندرية سنة 332ق.م. ودولة البطالسة تبدأ بفتح الإسكندر وتنتهي بالفتح الروماني سنة 30ق.م. والدولة الرومانية تبدأ بهذا الفتح وتنتهي بفتوح الإسلام سنة 640م.
وتاريخها الحديث يبدأ بفتوح الإسلام سنة 640م، ولا يزال، وهو تاريخها الإسلامي.
ويقسم تاريخها الحديث الإسلامي إلى 12 دولة كلها إسلامية، يتخللها الفتح الفرنساوي على يد «بونابرت» ثلاث سنوات. ونعدها دولة ثالثة عشرة، وهي: (1)
دولة الخلفاء الراشدين: من سنة 18-41ه أو من 640-661م. (2)
الدولة الأموية: من 41-132ه أو من 661-750م. (3)
الدولة العباسية: للمرة الأولى من 132-257ه أو من 750-870م. (4)
الدولة الطولونية: من 257-292ه أو من 780-905م. (5)
Halaman tidak diketahui
الدولة العباسية: للمرة الثانية من 292-323ه أو من 905-934م. (6)
الدولة الإخشيدية: من 323-358ه أو من 934-969م. (7)
الدولة الفاطمية: من 358-567ه أو من 969-1171م. (8)
الدولة الأيوبية: من 567-648ه أو من 1171-1250م. (9)
دولة المماليك الأولى: من 684-784ه أو من 1250-1382م. (10)
دولة المماليك الثانية: من 784-923ه أو من 1382-1517م. (11)
الدولة العثمانية: من 923-1213ه أو من 1517-1798م. (12)
الحملة الفرنساوية: من 1213-1216ه أو من 1798-1801م. (13)
الدولة المحمدية العلوية: من 1216ه أو 1801م ولا تزال.
موضوع هذا الكتاب
Halaman tidak diketahui
فموضوع هذا الكتاب يقتصر على الدولة الحادية عشرة من الدول الإسلامية التي دخلت مصر في حوزتها؛ نعني الدولة العثمانية بعد إخراج المدة التي كانت مصر في أثنائها تحت سيطرة الفرنساوي، على أثر الحملة الفرنساوية من سنة 1798-1801 فيكون موضوع هذا الكتاب، تاريخ مصر العثمانية من الفتح العثماني سنة 923-1213ه أو من 1517-1798م وهو أظلم أقسام التاريخ المصري الحديث؛ لأن مصر كانت في أثنائه مضطربة. وقد استبد بها المماليك وفسدت حكومتها، وقل من كتب في تاريخها من المحققين. على أننا سنبذل الجهد في إيضاح ذلك التاريخ.
ولا بد لنا قبل التقدم إلى الكلام فيه من أن نقدم القول بمقدمات تمهيدية لزيادة الإيضاح فنقول: (1) ما كانت عليه مصر عند الفتح العثماني
ويقتضي بيان ذلك أن نأتي بفذلكة تاريخ السلاطين المماليك الذين انتقلت مصر من أيديهم إلى العثمانيين على يد السلطان سليم الفاتح. (1-1) السلاطين المماليك
ويراد بالسلاطين المماليك؛ الدولة التي أنشأها مماليك الدولة الأيوبية بعد انقضائها.
حكمت الدولة الأيوبية من سنة 567-648ه، وهي كردية؛ لأن مؤسسها السلطان صلاح الدين الأيوبي، كردي. وهو من أعظم رجال الإسلام تعقلا وسياسة وبسالة وتدبيرا، أنشأ دولته على أنقاض الدولة الفاطمية بمصر، وبايع فيها للخلفاء العباسيين، وحارب الصليبيين وردهم عن سوريا، وأنقذ بيت المقدس من أيديهم. ومآثره أشهر من أن تذكر، وارتفع شأن الأكراد في أيام دولته، وتولوا الإمارات والولايات في مصر والشام وكردستان واليمن وخراسان.
ولما مات اقتسم مملكته، إخوته وأولاده وأولاد إخوته؛ ولذلك لم يطل حكمها، فغلبهم على معظمها مماليكهم الأتراك، كما غلبت الأتابكة ملوكهم السلاجقة قبلهم، فكان المماليك في مصر دولتان تعرفان بالسلاطين المماليك. (1-2) أصل السلاطين المماليك
يدل اسم المماليك على أصلهم فقد كانوا أرقاء مملوكين، ثم صار الحكم إليهم. وهم من الأتراك، كانوا في الأصل جندا مأجورا أو مبتاعا، بدأ استخدام الأتراك في الجندية على هذه الصورة في أيام المعتصم العباسي في أوائل القرن الثالث للهجرة. فإنه استقدم منهم جماعة من تركستان ابتاعهم أو استرضاهم أو استأجرهم لتعزيز حاشيته خوفا من تغلب أحد الحزبين اللذين استفحل شأنهما يومئذ في أثناء الفتنة بين أخويه الأمين والمأمون؛ إذ قام العرب مع الأمين، والفرس مع المأمون. وكان الشأن الأكبر في أول الدولة العباسية للجند الخراساني (الفرس) وهم الذين نقلوا الدولة الإسلامية من بني أمية إلى العباسيين. وكان العرب أقوياء لأنهم قوام الدولة، ومنهم الخلفاء وهم مادة الإسلام وأصله. وكان الفرس من حزب البرامكة. وكان الرشيد ذا عصبية للعرب ويخاف الفرس؛ لأنهم أنصار الشيعة العلوية فنكب البرامكة خوفا.
ولما اختلف الأمين والمأمون وتنازعا على الخلافة بعد الرشيد. كان العرب مع الأمين، والفرس مع المأمون، لأن أمه فارسية ، والأمين أمه عربية هاشمية «زبيدة». وكان الفوز للمأمون وقتل الأمين، فانحط شأن العرب، وصارت السيادة إلى الفارسيين أنصار المأمون واستبدوا في الدولة.
وكانت الحضارة قد أضرت بالمسلمين وأذهبت منهم قوة التغلب والفتح. ففكر المعتصم أخو المأمون في ذلك قبل أن تفضي الخلافة إليه، وكانت أمه تركية، وفيه كثير من طبائع الأتراك مع الميل إليهم؛ لأنهم أخواله. كما كان يميل المأمون إلى الفرس لنفس هذا السبب.
وشاهد المعتصم من جرأة الفرس وتطاولهم بعد قتل أخيه الأمين حتى أصبح يخافهم على نفسه. ولم تكن له ثقة العرب وقد ذهبت عصبتهم وأخلدوا إلى الحضارة والترف وانكسرت شوكتهم فرأى أن يتقوى بالأتراك وهم لا يزالون إلى ذلك العهد أهل بداوة وبطش مع الجرأة على الجر والصبر على شظف العيش فجعل يتخير منهم الأشداء يبتاعهم بالمال من مواليهم في العراق، أو يبعث في طلبهم من تركستان وغيرها. فاجتمع عنده عدة آلاف منهم. وفيهم جمال وصحة، فألبسهم أثواب الديباج والمناطق المذهبة والحلية المذهبة، وميزهم بالزي عن سائر الجنود. (1-3) دولة المماليك الأولى
Halaman tidak diketahui
وصار تجنيد الأتراك من ذلك الحين قاعدة في الدول الإسلامية. ومن جملتها الدولة الأيوبية بمصر، فإن الملك الصالح ابن الكامل (637-647ه) استكثر من اقتنائهم حتى جعل منهم بطانته وأمراء دولته والمحيطين بدهليزه وصارت مناصب الدولة إليهم، وأمنع حصون البلاد في قبضتهم قد اتخذوها مستقرا لهم حتى إذا ضاقت ذرعا من الإحاطة بهم ابتنوا - بأمر الملك الصالح - قصورا عظيمة متقنة البناء منيعة الجانب من جزيرة الروضة بضواحي القاهرة قرب المقياس. وقد زادها مركزها الطبيعي مناعة وجمالا، لأن النيل يتفرع هناك إلى فرعين، وكان يدعى نقطة تفرعه بالبحر؛ لعظم اتساعه، فسمي هؤلاء المماليك بالمماليك البحرية، ومنها اسم دولتهم تمييزا لها عن دولة المماليك الشراكسة، الآتي ذكرها.
وكانت سطوة المماليك البحرية تنتشر يوما فيوما إلى أن طمعوا بخلع السلطان وتولي الملك مكانه. فلما تولى الملك المعظم آخر سلاطين بني أيوب، وكان على ما كان عليه من الاستبداد، أنفت نفوسهم من أعماله فسعوا فيه إلى أن قتلوه.
ولما قتل الملك المعظم اختلفت الأحزاب فيمن يبايعون بعده وكل فئة تحاول استبقاء الحكم في يدها وتعاظم الخصام فتداركت الأمر شجرة الدر، وهي محظية كانت لها منزلة عند الملك المعظم وسائر رجال الدولة فرأت حزب المماليك أعز جانبا من الجميع. وكانت قبلا قد تواطأت مع أيبك عز الدين وهو من أعظم الأمراء المماليك نفوذا وبينهما علاقات ودية من أيام الملك الصالح، فتمكنت بهذه الصداقة من مبايعة الجميع لها مما لم يسبق له مثيل في الإسلام لكنها لم تستطع استبقاء الحكم في قبضتها أكثر من سنة فخلعها المماليك وولوا أيبك عز الدين المذكور سنة 648 وله منازعون ومناظرون. وزاد الأمر إشكالا تعدي الصليبيين على دمياط في تلك الأثناء.
وما زالت السيادة تنتقل من واحد إلى آخر منهم حتى أفضت إلى الظاهر بيبرس البندقداري أعظم سلاطينهم (658-676ه).
الملك الظاهر بيبرس
وكان الملك الظاهر ملكا حازما، شديد البطش كثير الغزوات، خفيف الركاب يحب السفر، وكان مشهورا بالفروسية في الحرب. وله إقدام وعزم على القتال، وثبات عند التقاء الجيوش حتى لقبوه بأبي الفتوح. وكان شعاره الأسد، إشارة إلى شجاعته.
ومن أعماله المأثورة أنه عمر الحرم النبوي، وقبة الصخرة في بيت المقدس. وزاد في أوقاف الخليل، وعمر قناطر شبرامنت بالجيزة وسور الإسكندرية ومنار رشيد. وردم فم بحر دمياط ووعر طريقه، وعمر الشنواني، وعمر قلعة دمشق وقلاعا عديدة في أنحاء سورية، وعمر المدرسة بين القصرين في القاهرة والجامع الكبير بالحسينية وهو المعروف الآن بجامع الظاهر، وحفر خليج الإسكندرية القديم وباشره بنفسه. وبنى هناك قرية سماها الظاهرية، وحفر بحر أشمون طناح، وجدد الجامع الأزهر بالقاهرة وأعاد إليه الخطبة، وعمر بلد السعيدية من الشرقية بمصر، وبنى القصر الأبلق في دمشق، وغير ذلك من الآثار الباقية إلى اليوم.
واشتهر الملك الظاهر بحروبه مع الصليبيين، فاستولى على بلاد كثيرة من سوريا وفلسطين وحلب، وفتح بلاد النوبة وبرقة.
وفي أيامه جاء العباسيون إلى مصر على أثر فرارهم من بغداد بعد سقوطها بأيدي التتر وقتل الخليفة المستعصم سنة 656ه، فجاء منهم إلى مصر الإمام أحمد بن الخليفة الظاهر بأمر الله. فوصل مصر سنة 659ه. فاستقبله الملك الظاهر أحسن استقبال، وبايعه، وأثبت نسبه في مجلس من القضاة والعلماء، وأراد أن يسترجع لهم بغداد، فأرسل جندا لاستخراجها من سلطة التتر فلم يفلح، في حديث يطول شرحه، لكنه أفلح في جعل مصر مقر الخلفاء العباسيين، وصاروا لا يثبت سلطان منهم على كرسي مصر إلا إذا بايعه الخليفة العباسي بما له من السيادة الدينية.
بقية دولة المماليك الأولى أو البحرية
Halaman tidak diketahui
مات الملك الظاهر سنة 676ه. وخلفه على الملك ولداه بركة خان ثم سلامش، ولم يكونا أهلا للرئاسة، فتغلب عليهما وحتى كان على سلامش، اسمه سيف الدين قلاوون الألفي، فخلع سلامش وتسلم زمام الأحكام، فبويع ولقب بالملك المنصور.
وكانت مدة حكمه بضع عشرة سنة من 678-698ه. وكان حسن الشكل، ربع القامة، قليل الكلام بالعربية. وكان شجاعا بطلا مقداما في الحرب، مغرما بشراء المماليك حتى قيل إنه تكامل عنده 12000 مملوك أكثرهم من الشراكسة. وحارب الصليبيين وغيرهم. وخلف آثارا بنائية لا يزال بعضها قائما إلى اليوم، منها المارستان المنصوري، وجامع قلاوون في شارع النحاسين بمصر.
وبلغ من عنايته بالمماليك أنه غير ملابسهم، وألبسهم المخمل الأحمر والأخضر والسمور والفرو، وكان استكثاره من المماليك الشراكسة، سببا في خروج السلطة من نسله كما أصاب الملك الصالح باستكثاره من المماليك الأتراك، فتوالى على الملك بعده بعض أولاده وبعض مماليكه الأتراك. ولم يثبت الملك طويلا إلا لابنه الناصر بن قلاوون من سنة 709-741ه، فخلف آثارا كثيرة، وحارب حروبا جمة. ومن جملة آثاره مجراة الماء، والسقايات السبع على حدود مصر القديمة في القاهرة.
وتكاثرت مماليك الملك الناصر المذكور في أواخر أيامه، وانتقل الحكم بعده إلى أبنائه الواحد بعد الآخر، وهم ثمانية، من سنة 741-762ه. ومنهم السلطان حسن صاحب الجامع المعروف باسمه في مصر. وانتقل بعدهم إلى جماعة من أهلهم حكموا 22 سنة أخرى، حتى انتقل سنة 784ه إلى دولة المماليك الشراكسة أو «دولة المماليك الثانية». (1-4) دولة المماليك الثانية، أو الشراكسة
والمماليك الشراكسة هم مماليك السلطان قلاوون المتقدم ذكره. وهم جنس من أهل آسيا يخالف الأتراك، أصلهم من جهات سيبريا ونواحي بحيرة «بيقال». وهاجروا في القرن السادس للميلاد إلى غربي بحر قزوين يحملون من بلادهم للاتجار بهم في أنحاء العالم، فاقتنى منهم سلطان المماليك البحرية الأخير عددا وافرا فضلا عن المماليك البحرية اقتداء بأسلافه. وكانوا يستخدمونهم في صالح الدولة فارتقوا فيها تبعا لما خصتهم به الطبيعة من الجمال والذكاء حتى صارت إليهم حماية الحصون والقلاع فجعلوا سكناهم في الأبراج فلقبوا «بالبرجية» وما زالوا يزدادون عددا وقوة ومنعة حتى تاقت نفوسهم إلى تسلق كرسي الملك يجعلونه إرثا في نسلهم.
فتمكنوا من ذلك على يد مملوك منهم اسمه حازم برقوق، وهو ابن مرتد شركسي اسمه أنس. تدرج في مصالح الدولة من أدناها إلى أعلاها بحزمه ودهائه حتى تمكن من تسلق كرسي الملك سنة 783ه، وما زال حاكما نافذ الكلمة إلى سنة 801ه.
وفي أيامه حمل «تيمورلنك» القائد التتري على العالم الإسلامي حتى هدد حدود سوريا فحمل عليه برقوق في صفد وأوقفه عند حده. (1-5) أول علائق العثمانيين بمصر
وفي أثناء ذلك أفضت سلطنة آل عثمان إلى السلطان بايازيد في آسيا الصغرى، وقد طمع بمصر فجاء تيمورلنك لينازعه عليها وعلى مصر، فبعث كل منهما وفدا إلى القاهرة. فطلب وفد بايازيد إلى برقوق أن يعاهده على السلم، وإلى الخليفة العباسي المقيم في القاهرة أن يقر بايازيد رسميا على سلطنة الأناضول، فأجابهم إلى ما طلبوه.
أما وفد تيمورلنك فاتخذوا خطة أخرى لأنهم استعملوا الخشونة والفظاظة في أقوالهم ومطالبهم، فطلبوا منه أن يسلم لهم قرا يوسف، وأحمد بن أويس اللذين قد التجآ إليه. فطيب برقوق خاطرهم وأخذهم بالملاينة فازدادوا فجورا، فأمر بقتلهم، فشق ذلك على تيمورلنك، فساق جيشه وقدم للانتقام فمر بالرها وقتل من فيها، ثم جاء حلب فأنكى فيها، ثم توقف عن مسيره لغرض في نفسه يسهل عليه افتتاح مصر. فلم يغفل برقوق عن ذلك، فأكثر من الجند والسلاح، وتأهب للدفاع أو الهجوم لكنه لم يكد يتم هذه التأهبات حتى أدركته الوفاة.
والسلطان برقوق أعظم سلاطين دولة المماليك الشراكسة أو الثانية، وله آثار منها جامع لا يزال يعرف باسمه وكان له ولع خاص باقتناء الأسلحة، ونظم الجند، وعين رتبه، وجعل مناصب الدولة إلى تسعة من كبار الموظفين أكبرهم أتابك العساكر، فرأس نوبة الأمراء، فأمير السلاح، فأمير المجلس، فأمير الياخور، فالدوادار، فرأس النوبة الثاني ، فحاجب الحجاب، وهو أول من عقد مع العثمانيين صلحا أو عهدا، كما رأيت.
Halaman tidak diketahui
وتولى الملك بعده اثنان من أولاده الواحد بعد الآخر، ثم تنازع السيادة مماليك آخرون، يطول بنا ذكر عدد حكمهم، أهمهم فيما نحن فيه؛ الملك الأشرف قايتباي من سنة 872-901ه.
تولى الملك والمملكة المصرية في اضطراب، وفي أيامه اقتضت الأحوال أن تتداخل الدولة العثمانية بمصر، وتعاديها. وذلك أن السلطان محمد الثاني حارب ملك الفرس «أوزون» وتغلب عليه. وكان بين المصريين والفرس تحالف، ثم ما لبث «قايت بك» أن سمع بعزم السلطان المذكور على فتح «سوريا» سنة 885ه. ولكن لم يخرج من بر الأناضول حتى داهمته المنية في مدينة «طيفور جابر»، وتخاصم ابناه «بايازيد»، و«جم» أو «زيزم» على الملك، فشغلا عن الفتح، فاغتنم قايت باي تلك الفرصة وانسحب بجيشه إلى مصر.
وما زال الخصام يتعاظم بين ابني محمد حتى كانت بينهم واقعة «يكي شهر» فانهزم جم حتى أتى مصر، والتجأ إلى قايت بك، فأكرم وفادته، ثم علم أن ذلك الإكرام يهيج حاسة الانتقام في بايازيد «الثاني» فقال في نفسه: «إذا كان لا بد من محاربة العثمانيين فلنكن مهاجمين أولى من أن نكون مدافعين»، فجعل يناوئ الأتراك ويقطع السبل على قوافلهم الناقلة الحجاج إلى الحرمين حتى قبض على وفد هندي مرسل في مهمة سياسية إلى بايازيد. واستولى على «أدنة» و«ترسوس» وكانتا في حوزة العثمانيين.
أما بايازيد فكان واقفا بالمرصاد ينتحل حجة لمهاجمة المصريين فجاءت تلك الإجراءات طينة على عجينة، إلا أنه رأى أن يأتيهم من باب الحزم فأنفذ إليهم رسلا في طلب التعويض عما سببوه من الخسائر والأضرار. فأرجع «قايت باي» الرسل وبعث يهاجم الجيوش العثمانية، فقاومته أشد المقاومة، وأرجعت جيشه إلى ملاطية، فأنجدهم «قايت باي» بخمسة آلاف رجل فعادوا إلى العثمانيين وهم في مضايق الجبال، فهجموا عليهم بغتة، وذبحوا منهم عددا كبيرا، وفر الباقون وتحصنوا في «ترسوس» و«أدنة»، فأنفذ جيشا كبيرا تحت قيادة صهره أحمد، وهو ابن أمير البوسنة، فلما وصل إلى معسكر الأزبكي، اقتتل الجيشان فهجم أحمد هجمة قوية، لكن رجاله لم يستطيعوا الثبات، ففازت الجيوش المصرية، وأسر أحمد بعد أن جاهد جهادا حسنا، فعاد الأزبكي بأسيره إلى مصر ظافرا، فبنى جامعه المشهور المعروف بجامع الأزبكية، وكانت في أيامه بركة يتجمع إليها الماء أيام الفيضان وهي التي صارت الآن حديقة الأزبكية.
فلما بلغ بايازيد ما كان من انكسار جيوشه، استشاط غضبا، وجند جندا كبيرا جعله تحت قيادة «علي باشا» لمحاربة المصريين، فسارت تلك الحملة من الآستانة فعبرت البوسفور في 3 ربيع آخر سنة 893، ونزلت قرمان، فاتصل خبرها بقايت بك، فأوجس خيفة فعمد إلى المصالحة، فأنفذ إلى بايزيد صهره أحمد واسطة لعقد شروط الصلح، فرفض بايازيد ذلك رفضا باتا، وسار حتى التقى بالمصريين في «أدنة» و«ترسوس» فحاربهم وفاز عليهم، واسترجع المدينتين الواحدة بعد الأخرى، بعد أن أهدر دماء غزيرة ثم سار إلى أرمينيا وأخضعها، وحاصر عاصمتها، فافتتحها بعد أن دافعت دفاعا قويا، وأسر حاكمها، وأرسله بعد ذلك إلى مصر بدلا من الأمير أحمد، فبعث قايت باي الأزبكي ثانية لدفع العثمانيين فواقعهم في «ترسوس»، فغلبوه أولا ثم عاد إليهم وفاز بهم وأعادهم القهقرى وعاد إلى القاهرة ظافرا، فخلع عليه قايت باي، ثم رأى أن يغتنم كونه ظافرا لمصالحة العثمانيين، فبعث إلى بايزيد في ذلك فأجابه وطلب إليه أن يتنازل له عن «ترسوس» و«أدنة» وأنه إذا لم يفعل يدعو الناس إلى الجهاد، فيجتمع تحت لوائه كل من يدعو لآل عثمان، فيجيء مصر ويفتحها فتحا مبينا. فخاف قايت بك وتنازل عن المدينتين اكتفاء بأهون الشرين وكان ذلك سنة 896ه. فقايت بك أول من حارب العثمانيين. وكان عادلا محبوبا، وما زال العقلاء الذين عاصروا سائر دولة المماليك يضربون المثل بأيامه، ويطلبون الرجوع إلى مثلها. (2) حرب أخرى مع العثمانيين: قنسو الغوري
خلف قايتباي على مصر خمسة سلاطين لم يطل حكمهم أكثر من خمس سنين لاضطراب الأحوال فجاء بعدهم السلطان قنسو الغوري حكم من سنة 906-922ه وكان مخلصا في الحكم وهو صاحب الجامع المعروف باسمه في القاهرة.
ويهمنا هنا أن في أيامه حدث اختلاف آخر بين العثمانيين والمصريين. وذلك أن كركود أخا السلطان سليم بايازيد جاء مصر سنة 918ه، فارا من أخيه، وكانا قد تخاصما على الملك كما حصل بجم وبايازيد قبلا، فرحب قنسو الغوري به ترحابا عظيما وجهزه بعشرين بارجة بحرية لافتتاح القسطنطينية، فذهبت العمارة غنيمة لمراكب «أورشليم» في البحر المتوسط ولم تكن النتيجة إلا إثارة غضب السلطان سليم على مصر فجهز إليها، وابتدأ بفتح الحدود السورية وأرسل إلى مصر رسائل التهديد، فاتحد الغوري مع ملك الفرس إسماعيل شاه على قهر العثمانيين، وكان الفرس في حرب معهم وسنعود إلى تفصيل ذلك إلا أن الجيوش العثمانية لم تبال بكثرة العدد فشتتت الجيشين وأي تشتيت! فعمد قنسو الغوري إلى مخابرة العثمانيين بأمر الصلح على أي وجه كان، وبعث إلى السلطان سليم بذلك فسارت الرسل إلى السلطان سليم فخروا ساجدين وخاطبوه بأمر الصلح، فقال لهم وقد استشاط غيظا: «لقد فات الأوان. انهضوا وارجعوا إلى سلطانكم وقولوا له، إن الرجل لا تعثر بحجر واحد مرتين، وها إني ذاهب إلى القاهرة فيستعد للدفاع إن كان له أهلا.»
فعادوا وأخبروا بما كان، فجمع قنسو رجاله وزحف لملاقاة الجيوش العثمانية فالتقى بها في «مرج دابق» قرب حلب فانتشبت الحرب هناك وأظهر الغوري بسالة وثباتا عظيمين حتى أوشكت رجاله أن تستظهر، فمنعتها مدافع العثمانيين من ذلك ولم يكن للمصريين مثل ذلك السلاح فتشوش نظامهم ووقع الرعب في قلوبهم، وانحاز قائدا جناحيهم إلى العثمانيين، وكان الغوري قائدا لقلب الجيش فاضطر إلى الفرار، فحول شكيمة جواده، فسقط عنه لشدة الازدحام وقتل تحت أرجل الخيل سنة 922ه. (2-1) آخر السلاطين المماليك
فخلفه الملك «الأشرف طومان باي» ابن أخيه، وفي أيامه فتح السلطان سليم مصر وصارت عثمانية، ولم يتم طومان باي سنة في حكمه. وقبل التقدم إلى تفصيل ذلك الفتح، نأتي بفذلكة عن تاريخ الدولة العثمانية إلى سنة الفتح فنقول: (3) الدولة العثمانية
هي دولة تركية لكنها تختلف عن دولة المماليك التركية (الأولى) المتقدم ذكرها أن أصحابها لم يكونوا من المماليك بل هم قوم أحرار أهل سيادة، جاءوا فاتحين. وقد نشأت في الإسلام عدة دول تركية منها أربع دول نشأت وانقرضت في أيام العباسيين قبل سقوط بغداد، وكان مؤسسوها في الغالب عمالا للعباسيين في بعض الولايات ثم استقلوا، وهي: الدولة الطولونية والأيلكية والإخشيدية والغزنوية، وليس في الدول التركية دولة كان أصحابها أهل سيادة في بلادهم وجاءوا المملكة الإسلامية فاتحين إلا السلاجقة والعثمانيين.
Halaman tidak diketahui
أما دولة السلاجقة فمؤسسها أمير تركي كان في خدمة بعض خانات تركستان فعلم باختلال المملكة العباسية، فطمع بها وعلم أنه لا يبلغ ذلك وهو على غير دين الإسلام، فأسلم هو وقبيلته وسائر جنده ورجال عصبيته دفعة واحدة. ونهض بجميع هؤلاء من تركستان وساروا غربا فقطعوا نهر جيحون وتدرجوا في الفتح ونشر السيادة حتى اكتسحوا المملكة العباسية، وامتد سلطانهم من أفغانستان إلى البحر الأبيض وكانت لهم بعد ذلك دولة عريضة تفرعت إلى خمسة فروع لا محل لذكرها هنا. ولما شاخت دولتهم، أفضت المملكة إلى مماليكهم، ويسمونهم الأتابكة، واحدهم «أتابك» فتفرعت المملكة السلجوقية بهم عشر ممالك، وبقي من السلاجقة فرع عرف بسلاجقة الروم في آسيا الصغرى، تفرع إلى ثماني إمارات أخذها منهم العثمانيون، وأقاموا دولتهم على أنقاضها كما سيجيء.
والعثمانيون شأنهم في تأسيس دولتهم مثل شأن السلاجقة، فإنهم جاءوا من تركستان وهم أهل دولة وأصلهم من التتر الذين يقطنون ما يجاور جبال التاي عند حدود الصين الشمالية، ويغلب على الظن أنهم الإسكتيون المعروفون قديما بالشجاعة وشدة البأس، ويقال إن جماعة منهم ينتسبون إلى جد يقال له «ترك» نزحوا غربا في القرن الأول للميلاد، وأقاموا فيما هو الآن تركستان، وهي مشهورة بجودة الإقليم وخصب المرعى وجمال المكان وقوة الأبدان.
وما استتب لهم المقام هناك حتى أخذوا يمدون سلطتهم وهم لا يزالون في حال الجاهلية، ولم يعتنقوا الإسلام إلا في أواسط القرن الرابع للهجرة وأشهرهم طائفتان، إحداهما السلاجقة المتقدم ذكرهم. وقلنا إن منهم فرعا ظل سائدا في آسيا الصغرى إلى أواخر القرن السابع للهجرة، وسلطانه يومئذ علاء الدين كيقباد الثاني، تولى الملك سنة 696ه / 1296م.
أما الأوغوزية فما زالوا مقيمين في تركستان حتى ظهر جنكيزخان القائد المغولي وغزا قبائل تلك البلاد، فأذعنوا له إلا الأوغوزية فإنهم هاجروا بقيادة أمير يدعى سليمان يطلبون مقاما ومرعى لماشيتها، وما زالوا يسيرون غربا حتى حدث وهم يعبرون الفرات أن أميرهم سقط بجواده في النهر ومات، فدفنوه هناك وهو جد السلطان عثمان مؤسس هذه الدولة فأصبحوا بعده جماعات متفرقة، فاتخذ ابنه أرطغرل قيادة جماعة منهم وسار بهم يخترق آسيا الصغرى، وهو في بعض السهول شاهد أرطغرل عن بعد غبارا متصاعدا وحربا قائمة، فتقدم على نية الانتصار لأضعف الفئتين المتحاربتين، ففعل وهو لا يدري لمن ينتصر، فقيض الله النصر له، وتقهقرت الفئة الأخرى ثم علم أنه انتصر للسلجوقيين وقهر المغوليين، فشكر الله على ذلك.
فنال منزلة رفيعة لدى علاء الدين السلجوقي فأقطعه بقعة كبيرة يقيم فيها برجاله على حدود فريجيا وبيثينا فكانت أرضا خصيبة ذات مرعى حسن - وفي تلك البقعة نشأ ابنه عثمان.
وشب وترعرع وما زال أرطغرل تحت رعاية علاء الدين حتى توفي فخلفه ابنه عثمان.
ثم توفي علاء الدين فاقتسم أمراؤه مملكته، فاستقل عثمان بما لديه سنة 1300م وهو أول أمراء آل عثمان.
ومن التقاليد المأثورة بين العثمانيين، أن عثمان هذا عشق وهو شاب فتاة تدعى «مال خاتون» وكان والدها شيخا تقيا ورعا طاعنا في السن اسمه أدبالي، فلما شعر بمحبة عثمان لابنته، خاف العاقبة وصار يحاول إبعادهما الواحد عن الآخر، وبالغ في حجاب ابنته لأنه لم يكن يطمع بمصاهرة ابن حاكمه.
فجاء عثمان ذات ليلة ليبيت في منزل أدبالي وقضى معظم الليل هاجا بحبيبته حتى غلب عليه النعاس، فرأى في الحلم كأن القمر خارج من صدر أدبالي، ثم رآه يتسع بسرعة حتى غطى كل ما كان واقعا تحت نظره من الأرض، ثم أخذ في التقلص حتى عاد إلى حجمه الأول، وارتد إلى صدر أدبالي كما كان، ثم رأى شجرة عظيمة خارجة من صلب أدبالي، وأخذ ظلها يمتد حتى غطى البر والبحر وتراءى له أن أنهر دجلة والفرات والطونة والنيل خارجة من أصل تلك الشجرة. وجبال قوقاس وأطلس وطوروس وهيموس تستظل بأغصانها. ورأى أوراقها تستطيل وتسترق حتى صارت كالسيوف ورءوسها مصوبة إلى أشهر عواصم العالم، خصوصا القسطنطينية الواقعة في ملتقى القارتين ومجمع البحرين. وخيل له أنها جوهرة بين زمردتين وياقوتتين مصطنعة في فص خاتم وأنه أهم أن يجعل ذلك الخاتم في إصبعه، فاستيقظ مبغوتا، فأخبر أدبالي في الصباح بما كان، فاستبشر بما سيكون من مستقبل ذلك الشاب، وأنه سيمتلك القسطنطينية.
وما انفك خلفاء عثمان كلما اتسع سلطانهم يزدادون ثقة بمآل ذلك الحلم، وقد حاول بعضهم فتح القسطنطينية، فرجع ولم ينل وطرا، حتى ظهر محمد الفاتح السابع من سلاطين آل عثمان، وبينه وبين صاحب الحلم نحو 160 سنة، ففتحها بعد أن يئس المسلمون من فتحها.
Halaman tidak diketahui
وحارب العثمانيون أعظم ملوك أوربا، وطاردوهم إلى بلاد المجر، وحاصروا فيينا عاصمة النمسا، وأخذوا الجزية من الأرشيدوق فردينان، واكتسحوا البحر الأبيض إلى شواطئ آسيا، ووجهوا مطامعهم من الجهة الأخرى نحو الشرق ففتحوا العراق والشام ومصر على يد السلطان سليم الفاتح الذي نحن في صدده. (3-1) الإنكشارية
وقد تمكن العثمانيون من هذه الفتوح العظيمة بواسطة الإنكشارية، وهم جند أنشأه العثمانيون على شكل خاص لم يسبق له مثيل؛ لخلوه من عصبية تبعثه على التمرد، لأنه مؤلف من الغلمان الذين كان العثمانيون يأسرونهم في الحرب وأكثرهم من أصل مسيحي. فكان العثمانيون في أول دولتهم إذا فتحوا بلدا دخل في حوزتهم من أهله المأسورين جماعة من غلمان النصارى الذين قتل آباؤهم وأصبحوا لا نصير لهم، ولا مرجع لمآلهم، فارتأى قرة خليل وزير السلطان أورخان ثاني سلاطين آل عثمان (سنة 726-761ه) أن يربي أولئك الغلمان تربية إسلامية ويدربهم على الفنون الحربية، ويجعلهم جندا دائما لا يخشى منه التمرد؛ لأنه لا يعرف عصبية غير الدولة، ولا عملا غير الجندية، ولا دينا غير الإسلام، فجندهم وسار بهم إلى الحاج بكطاش شيخ طريقة البكطاشية بأماسيا، ليدعو لهم فدعا لهم وسماهم «يكي جري»؛ أي الجند الجديد.
ولم يكن قره خليل هذا أول من فكر في تجنيد غلمان النصارى كما يظن أكثر مؤرخي الأتراك، فإن الملك الظاهر بيبرس صاحب مصر الذي تقدم ذكره، فعل ذلك قبل تأسيس الدولة العثمانية وهو متوجه إلى دمشق سنة 665ه لملاقاة عساكره العائدة من غزوة بلاد سيس، فنزل بلدا اسمه قارا بين دمشق وحمص، فأمر بنهب أهلها النصارى وقتل كبارهم لأنهم كانوا يسرقون المسلمين ويبيعونهم سرا للصليبيين، وأخذ صبيانهم مماليك رباهم بين الأتراك في الديار المصرية، فنشئوا على الإسلام وتجندوا في الجيش التركي.
على أن قره خليل جعل للإنكشارية شروطا لم يسبق لها مثيل، فقسمهم إلى وجاقات واحدها وجاق، والوجاق يقسم إلى أورط إحداها أورطة، ولكل أورطة عدد تعرف به، ولبعضها أسماء خاصة. ويختلف عدد الجند في كل أورطة حسب العصر من 100 إلى 500، ويختلف عدد الأورط في الوجاقات بمقتضى ذلك، وأكبر ضباط الوجاق أو قائدها الأكبر يسمى «أغا» تحته سكبان باشي، تحته غيره فغيره على هذه الصورة.
الأغا:
قائد الوجاق ويقابل اللواء في هذه الأيام.
سكبان باشي:
ينوب عن الأغا في الآستانة ويقابل القائمقام اليوم.
قول كخيا أو كخيا بك:
نائب الأغا أو السكبان باشي.
Halaman tidak diketahui
سمسونجي باشي:
قائد أورطة نمرو 71.
زغرجي باشي:
قائد الأورطة نمرو 64.
محضر أغا:
ينوب عن الإنكشارية عند الصدر الأعظم.
خصكي:
ينوب عن الأغا في القيادة على الحدود.
باشجاويش:
قائد الأورطة الخامسة.
Halaman tidak diketahui
كخيا بري:
ينوب عن الوجاق لدى الأغا.
الأفندي:
الكاتب.
ولكل أورطة ضباط يقتسمون قيادتها وإدارة شئونها على هذه الصورة: (1) «الجوربجي»: رئيس الأورطة يشبه الكولونيل. (2) «أوده باشي»: نائب الجوربجي في المناورات العسكرية. (3) «وكيل الخرج»: يتولى أمر الطعام والشراب. (4) «بيراقدار»: يتولى الأعلام والبيارق. (5) «باش اسكي»: يتولى قيادة القراقولات. (6) «اشجي»: الطاهر.
قوانين الإنكشارية
قد رأيت أن جند الإنكشارية تجند في زمن السلطان أورخان ولكن الفضل الأكبر في تنظيمه وترتيبه يرجع إلى السلطان مراد الأول (تولى سنة 761ه) وهذه خلاصة قوانينهم: (1)
الطاعة العمياء لقوادهم وضباطهم أو من ينوب عنهم. (2)
تبادل الاتحاد بين الفرق كأنها فرقة واحدة وتكون مساكنها متقاربة. (3)
التجافي عن كل ما لا يليق بالجندي الباسل من الإسراف أو الانغماس ويكون سؤلهم على البساطة في كل شيء. (4)
Halaman tidak diketahui
الإخلاص في الانتماء إلى الحاج بكطاش من حيث الطريقة مع القيام بفروض الإسلام. (5)
لا يقبل في سلك الإنكشارية إلا الذين يشبون من غلمان الأسر على التربية الخاصة بين غلمان الأعاجم. (6)
إن الحكم عليهم بالإعدام ينفذ بشكل خاص. (7)
يكون الترقي في المراتب حسب الأقدمية. (8)
لا يجوز أن يوبخ الإنكشارية ولا يعاقبهم غير ضباطهم. (9)
إذا عجز أحدهم عن العمل يحال على المعاش. (10)
لا يجوز لهم إرسال لحاهم. (11)
لا يجوز لهم أن يتزوجوا. (12)
لا يجوز لهم الابتعاد عن ثكناتهم. (13)
لا يجوز لهم أن يتعاطوا عملا غير الجندية. (14)
Halaman tidak diketahui
يقضون أوقاتهم بالرياضة البدنية والتمرين على الحركات العسكرية.
فإذا تدبرت هذه القوانين هان عليك تصور الأعمال العظيمة التي أتاها هذا الجند في مصلحة الدولة العثمانية من الفتوح العظام.
وقد يتبادر إلى الذهن لأول وهلة ترفع الناس عن الانتظام في هذا الجند لأنه مجموع من لقطاء لا يعرف لأحد منهم أب ولا أم، ولكنك تفهم من البند الخامس من قوانينهم أنهم كانوا يحظرون على غير اللقيط أو المملوك الانتظام في جندهم، وكان السلاطين يشددون في تعظيم هذا الأمر في عيونهم.
رواتب الإنكشارية (العلوفة)
الأصل في ترتيب العلوفة أن تدفع يوميا، لكنها لم تكن تدفع إلا مرة كل ثلاثة أشهر، تخفيفا للثقلة، فكانوا يؤدونها أربع مرات في السنة، وتعرف كل مرة باسم مؤلف في ثلاثة أحرف مقتطعة من أسماء أوائل شهورها، فالربع الأول من السنة مؤلف من ثلاثة أشهر محرم وصفر وربيع، فالأحرف الأولى من هذه الأشهر إذا جمعت من هذا الترتيب كانت «مصر» وعلى هذا النسق كانوا يسمون الربع الثاني رجج، وقد يقطعون من اسم الشهر غير حرفه الأول مراعاة للفظ، فالربع الثالث (رجب ، شعبان، رمضان) يسمونه رشن بإقطاع النون من رمضان بدل الراء، وقس على ذلك. وكانت لهم رسومهم في تفريق العلوفة لا محل لها.
أما مقدار العلوفة فقد كان في أول إنشاء هذا الجند درهما واحدا عن كل إنكشاري في اليوم ثم ارتفعت إلى ثلاثة دراهم. وفي ختام سنة 1000 صارت العلوفة خمسة دراهم، وكان للإنكشارية هدايا ينالونها في الأعياد، وعند تولية السلاطين يسمى بخشش الجلوس، وكان هذا البخشش يعطى لسائر الجند ولكبار الموظفين، وله مقادير معينة.
ملابس الإنكشارية
وكان المعول عند العثمانيين في التفريق بين الرتب وتمييز أصحابها بعضهم عن بعض بأشكال القلانس (القاووق)، أو الأقبية (القفطان)، أو الأحزمة (الكمر) أو ألوانها فكان لكل طائفة من رجال الدولة قلنسوة شكلها خاص بهم وكذلك الأقبية والأحزمة وغيرها على اختلاف في ألوانها وأشكال أزرارها فضلا عن الأعلام. واختلف المؤرخون في وصف هذه الألبسة، واختلفوا في أسمائها وأشكالها باختلاف العصور، وفي الرسوم المنشورة هنا مثال منها. (3-2) السلطان سليم الفاتح
ولد سنة 859ه وتولى 918ه وفتح مصر سنة 923ه وتوفي سنة 926ه.
هو السلطان التاسع من سلاطين آل [عثمان]، وهو أول خليفة منهم لأن السلاطين قبله لم يكونوا خلفاء، وهو أول من بويع بالخلافة كما سيجيء، وأصبح السلاطين بعده خلفاء أيضا؛ أي إن كلا منهم سلطان وخليفة أي له السلطتان السياسية والدينية. وبما أنه هو فاتح مصر حق علينا أن نذكر ترجمته.
Halaman tidak diketahui
هو ابن السلطان بايزيد الثاني وقد تقدم في ترجمة قنسو الغوري أنه تخاصم مع أخيه كركود وفر هذا إلى مصر واحتمى بسلطانها قنصو. وسبب هذا الخصام أنه كان لبايزيد الثاني (سنة 886ه-918ه) ثمانية أولاد ذكور، توفي منهم خمسة وبقي ثلاثة، وهم كركود وأحمد وسليم. وكان كركود يحب العلم ومجالس العلماء، فمقته الإنكشارية لأنهم أهل حرب لا رزق لهم إلا بها، وكان أحمد محبوبا لدى أعيان الدولة والأمراء، أما سليم فكان رجل حرب وبطش فأحبه الإنكشارية ونصروه.
ولحظ والدهم اختلافهم في المشارب والمناقب فخاف تنازعهم ففرق بينهم، فعين كركود واليا على إحدى الولايات البعيدة ، وولى أحمد على أماسيا وسليما على طرابزون. وكان لسليم ولد اسمه سليمان (صار بعد ذلك سليمان القانوني) فعينه جده بايازيد واليا على «كافا» من بلاد القرم، فلم يرض سليم بمنصبه في طرابزون فتركه وسافر إلى كافا، وبعث إليه أبيه يطلب إليه أن يعينه على ولاية في أوربا. فلم يقبل السلطان بايازيد، وأصر على بقائه في طرابزون، فجاهر سليم بالعصيان على والده، وزحف بجيش جمعه من قبائل التتر إلى بلاد الروملي، فبعث والده جيشا لإرهابه، فلم يتهيب، فلم ير بايازيد بدا من مراضاته حقنا للدماء، فعينه واليا على مدينتي سمندرية وودين في بلاد البلغار سنة 1511.
فلما علم كركود بنجاح أخيه أحب أن يقتدي به، فانتقل إلى ولاية صاروخان، وتولاها بدون أمر أبيه، ليكون قريبا من القسطنطينية عند الحاجة، وخرج سليم على أدرنة وأعلن نفسه سلطانا عليها، فجرد والده عليه جندا لمحاربته، وجندا لمحاربة أخيه كركود في آسيا. ففر سليم إلى بلاد القرم، وفر كركود أيضا، فأخذ الإنكشارية يناصرون سليما، وألجئوا السلطان إلى العفو عنه، وإعادته إلى ولايته في سمندرية، فلاقاه الإنكشارية في أثناء الطريق وحملوه إلى القسطنطينية، وأدخلوه سراي السلطان باحتفال وطلبوا إلى بايازيد أن يتنازل عن الملك لابنه هذا فأطاع وترك القسطنطينية ليقضي باقي حياته في ديموتيقا، فتوفي في الطريق ويظن أن ابنه سليمان دس له السم خوفا منه.
تولى السلطان سليم العرش العثماني سنة 918ه بقوة الإنكشارية فوزع فيهم الجوائز، وعين ابنه سليمان حاكما على القسطنطينية وخرج بجيوشه على أخويه وأولاده حتى يهدأ باله ويستقر له الملك بلا منازع، فاقتفى أثر أخيه أحمد إلى أنقرة، فلم يقدر عليه هناك، فذهب إلى «بورصة» فقبض فيها على خمسة من أولاد إخوته، وأمر بقتلهم. ثم شخص إلى «صاروخان» مقر أخيه «كركود» ففر «كركود» إلى الجبال. وما زال يطارده حتى قبض عليه وعاد إلى أحمد، فحاربه، فانهزم فطارده حتى قتل سنة 919ه.
فاطمأن بال سليم من جهته الداخلية؛ إذ استقر له الملك بذهاب منازعيه، ومال إلى المهادنة. فعاد إلى أدرنة وكان في انتظاره هناك سفراء البندقية والمجر وموسكو ومصر. فأبرم معهم عهدا على المهادنة لمدة طويلة؛ لأن مطامعه كانت متجهة إلى بلاد الفرس، لمحاربة الشيعة. وكان الفرس في عهد الدولة الصفوية، وقد أسسها شاه إسماعيل سنة 907ه. وفتح شروان واستقر في تبريز، فجعلها عاصمة مملكته، ثم فتح العراق وخراسان وما وراءها إلى هرات. فغلب على حكامها التيموريين التتر. فامتدت سلطته من نهر الأكسوس إلى خارج فارس؛ أي من أفغانستان إلى الفرات ، فخافه العثمانيون، وهاجت فتوحه مطامعهم وتنبهت الضغائن بين السنة والشيعة، والعثمانيون حماة السنة كما كان الصفويون حماة الشيعة.
وكان إسماعيل شاه، لما تمرد سليم وأخوه أحمد على أبيهما، أخذ يناصر أحمد في عصيانه على أبيه، ثم على أخيه سليم. وكتب من الجهة الأخرى إلى مصر يطلب محالفتها على العثمانيين عند الحاجة، فبلغ ذلك إلى السلطان سليم، وهو رجل حرب وبطش. فهاجت مطامعه، ولم يعد يقنع بغير الفتح والتغلب على الدولتين جميعا، وأمر بالقبض على من كان في شيعته في حدود مملكته، وعددهم نحو 40000 وقتلهم، وأعلن شاه إسماعيل بالحرب وخرج بجيوشه من أدرنة في 22 محرم سنة 920 (19 مارس 1514م) وعددهم 40000 ماش و80000 راكب. وجرت بينه وبين الشاه إسماعيل في أثناء مسيره مكاتبات محشوة بالتهديد والوعيد. وجعل السلطان سليم وجهته مدينة تبريز عاصمة الشاه المذكور.
وكانت الجنود الفارسية في أثناء الطريق تتقهقر أمام العثمانيين خداعا حتى يتبعوهم، ثم ينقضون عليهم. حتى إذا وصلوا إلى أرباص تبريز؛ جرت واقعة انتصرت فيها الجنود العثمانية بقيادة «سنان باشا»، وفر الشاه بمن بقي من جنده وخلف وراءه كثيرين من قواده وأهله في الأسر، وكان من جملة الأسرى إحدى زوجاته، فزوجها السلطان سليم من بعض كتابه انتقاما من الشاه. وفتحت تبريز أبوابها، فدخلها الفاتح العثماني ظافرا واستولى على خزائنها وذخائرها وأرسلها إلى القسطنطينية وفي جملتها عرش مرصع بالماس والياقوت ومطرز باللؤلؤ هو الآن في جملة ذخائر آل عثمان في سراي طوب قبو بالآستانة، وقد شاهدته ووضعته في مجلة الهلال السنة 18.
وبعد ثمانية أيام اضطر لإخلاء تبريز لقلة المئونة اللازمة لجنده وأخذ في مطاردة الشاه، ففتح ديار بكر وغيرها، وأراد الإيغال في بلاد الفرس، فتوقف الإنكشارية عن ذلك، وقد ملوا الحرب، وتعبوا من الأسفار فعاد إلى أماسيا للاستراحة في أثناء الشتاء والاستعداد للحرب في أوائل الربيع.
فلما كان الربيع، استأنف الحملة، ففتح بعض البلاد ورجع إلى القسطنطينية، وخلف بعض قواده لإتمام الفتح. وحال وصوله إلى القسطنطينية؛ حاسب قواد الإنكشارية على توقفهم عن السير في حملته المشار إليها، وقتل عددا كبيرا منهم ، وقتل قاضي العسكر جعفر جلبي؛ لأنه كان من أكبر المسببين لذلك التمرد. وخاف تمردهم ثانية، فغير نظام تعيين الرئيس، وكانوا يعينونه من أكبر قوادهم، فجعل لنفسه الحق في تعيين ذلك الرئيس.
وأما جنوده فإنها واصلت الحرب، ففتحت ماردين وأورفه والرقة والموصل، فتم بذلك الفتح ولاية ديار بكر، وخضعت قبائل الأكراد له. ولما تأتى له ذلك، فكر في فتح مصر انتقاما من قنسو الغوري على تحالفه مع الشاه إسماعيل وجرت معركة مرج دابق، وقتل قنسو الغوري، كما تقدم، فحمل على مصر. (4) كيف كانت مصر لما جاءها السلطان سليم؟
Halaman tidak diketahui